تواجه فرنسا برلمانًا معلقًا، ومفاوضات صعبة بدءًا من اليوم (الاثنين) لتشكيل الحكومة، بعد أن أعاقت الموجة المفاجئة لليسار مساعي مارين لوبان لجلب اليمين المتطرف إلى السلطة، إذ برزت الجبهة الشعبية الجديدة اليسارية كقوة مهيمنة في الجمعية الوطنية بعد انتخابات أمس، ولكن مع عدم حصول أي مجموعة بمفردها على أغلبية عاملة، فإن الاحتمالات تشمل تشكيل الجبهة الشعبية الجديدة حكومة أقلية أو بناء ائتلاف واسع غير عملي.
ووجهت النتيجة ضربة للرئيس إيمانويل ماكرون، وتركت ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو في حالة من عدم الاستقرار، مما ينذر بفترة من عدم الاستقرار السياسي قبل أسابيع فقط من استضافة باريس لدورة الألعاب الأولمبية، فقد انتهى الأمر بـ"ماكرون" ببرلمان مجزأ، وهو ما من شأنه أن يضعف دور فرنسا في الاتحاد الأوروبي وخارجه، ويجعل من الصعب على أي شخص أن يدفع بأجندة داخلية، وفقاً لـ"رويترز".
وأظهرت بيانات وزارة الداخلية التي نقلتها صحيفة "لوموند"، أن اليسار فاز بـ 182 مقعدًا، وتحالف "ماكرون" الوسطي بـ 168 مقعدًا، والتجمع الوطني بزعامة "لوبان" وحلفائها بـ 143 مقعدًا.
وقالت زعيمة حزب الخضر مارين تونديلييه، وهي واحدة من عدد من شخصيات الجبهة الوطنية، التي يُنظر إليها كمرشحين محتملين للمنصب: "وفقاً لمنطق مؤسساتنا، ينبغي على إيمانويل ماكرون اليوم أن يدعو رسمياً الجبهة الشعبية الجديدة لترشيح رئيس للوزراء".
واجتمع قادة من حزب الجبهة الوطنية خلال الليل؛ لإجراء أول محادثات حول كيفية المضي قدمًا، ولكن في مقابلات إعلامية اليوم لم يعطوا سوى القليل من الإحساس بالاتجاه.
وهناك فرصة ضئيلة في أن يمر أي من المقترحات الرئيسية للكتلة اليسارية، التي تشمل رفع الحد الأدنى للأجور، وإلغاء إصلاح معاشات التقاعد، التي اقترحها "ماكرون" ووضع حد أقصى لأسعار السلع الرئيسية، في تصويت برلماني دون نوع من الاتفاق مع المشرعين من خارج الكتلة.
وقال بعض الشخصيات الوسطية البارزة، بما في ذلك إدوار فيليب رئيس الوزراء السابق في عهد "ماكرون": "إنهم مستعدون للعمل على اتفاق لضمان حكومة مستقرة، لكنهم غير مستعدين للعمل مع حزب فرنسا الأبية، وهي قوة يراها العديد من الوسطيين الفرنسيين متطرفة مثل حزب التجمع الوطني".
من جانبها، اعتبرت يائيل براون-بيفيت، النائبة عن حزب "ماكرون"، التي كانت زعيمة الجمعية الوطنية قبل الانتخابات، أن الثقافة السياسية الفرنسية يجب أن تتطور، لتصبح أقل عدائية وأكثر تعاونًا عبر الخطوط الحزبية.
وقالت يائيل براون-بيفيت على قناة "فرنسا 2" التلفزيونية: "الرسالة التي أسمعها من الناخبين هي لا أحد يملك الأغلبية المطلقة، لذا يجب أن نعمل معًا لإيجاد حلول لمشاكلنا".
بالنسبة لحزب التجمع الوطني الذي تتزعمه "لوبان"، كانت النتيجة بعيدة كل البعد عن الأسابيع، التي توقعت خلالها استطلاعات الرأي باستمرار فوزها بشكل مريح، وتعاونت تحالفات اليسار والوسط بعد الجولة الأولى من التصويت الأسبوع الماضي من خلال سحب عشرات المرشحين من السباقات الثلاثية لبناء تصويت موحد مناهض لحزب التجمع الوطني.
وفي أول رد فعل، وصف زعيم حزب التجمع الوطني جوردان بارديلا، وهو أحد رفاق لوبان، التعاون بين القوى المناهضة لحزب التجمع الوطني بـ"التحالف المشين" الذي اعتبر أنه سيشل فرنسا.
ومع ذلك، قالت "لوبان"، التي ستكون على الأرجح مرشحة الحزب للانتخابات الرئاسية لعام 2027: "إن اقتراع الأحد، الذي حقق فيه حزب التجمع الوطني مكاسب كبيرة، قد زرع بذور المستقبل، ولقد تم تأجيل انتصارنا فقط".