فقد حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، أغلبيته البرلمانية؛ مما وجه ضربة غير متوقعة لـ"مودي"، وأجبره على التفاوض مع شركاء الائتلاف لتشكيل الحكومة الجديدة؛ فبعد فرز جميع الأصوات في وقت مبكر من صباح اليوم "الأربعاء"، اتضح أن حزب بهاراتيا جاناتا لم يحقق الفوز الساحق الذي توقعت استطلاعات الرأي حدوثه، بل واجه بدلًا من ذلك مقاومة في أجزاء كبيرة من البلاد ضد رئيس الوزراء القوي وسياساته القومية الهندوسية.
وفقد الحزب 62 مقعدًا؛ مما خفض إجمالي عدد مقاعده إلى 240 مقعدًا، وهو أقل من الـ272 مقعدًا المطلوبة للأغلبية البرلمانية، وهذه هي المرة الأولى منذ انتخاب "مودي" في عام 2014 التي يفشل فيها حزب بهاراتيا جاناتا في الحصول على أغلبية واضحة بمفرده، ومع ذلك فإن فوز التحالف الديمقراطي الوطني، الذي يضمّ حزب بهاراتيا جاناتا وحلفاءه السياسيين، يمنحه حوالي 292 مقعدًا، وهو ما يكفي لتشكيل حكومة أغلبية وحكم البلاد لمدة خمس سنوات أخرى وعودة "مودي" إلى السلطة لفترة ولاية ثالثة؛ وفقًا لصحيفة "الجارديان" البريطانية.
وتجاوز أداء تحالف المعارضة، الذي يحمل اسم "تحالف الهند"، التوقعات بشكل كبير؛ حيث فاز بأكثر من 230 مقعدًا، ويضم هذا التحالف أكثر من 20 حزبًا من أحزاب المعارضة الوطنية والإقليمية، وقد تشكل لأول مرة في هذه الانتخابات بهدف هزيمة "مودي"، وعلى الرغم من المنافسة الشديدة أصرّ "مودي" على أنه حصل على تفويض لقيادة البلاد مرة أخرى في خطاب النصر الذي ألقاه.
وأثبت تحالف المعارضة أنه أكثر مرونة ونجاحًا مما توقعه العديد من المحللين، على الرغم من مواجهته تجميد أموال الأحزاب وسجن قادة المعارضة من قبل وكالات الدولة في الفترة التي سبقت الانتخابات، وحصل التحالف على دفعة قوية من الأحزاب الإقليمية التي تفوقت على حزب بهاراتيا جاناتا، مثل حزب ساماجوادي في أوتار براديش، وحزب ترينامول كونغرس في غرب البنغال، وحزب درافيدا مونيترا كازاجام في تاميل نادو.
وتعد النتائج انتصارًا كبيرًا لحزب المؤتمر الوطني الهندي، وهو حزب المعارضة الرئيسي في البلاد ومنافس حزب بهاراتيا جاناتا الرئيسي، الذي خسر بشكل كبير في الانتخابات السابقة أمام "مودي"، ويواجه تساؤلات حول مستقبله كحزب، وفي هذه المرة يبدو أن حزب المؤتمر قد ضاعف عدد مقاعده.
وركز حزب بهاراتيا جاناتا حملته الانتخابية على عبادة شخصية رئيس الوزراء؛ حيث كان عنوان البيان الانتخابي للحزب ببساطة "ضمان مودي"، وفيما اعتبره البعض علامة على التوتر داخل معسكر حزب بهاراتيا جاناتا، تحول "مودي" لاحقًا إلى خطاب ديني أكثر استقطابًا أثناء الحملة الانتخابية؛ حيث بدا أنه يصف المسلمين بأنهم "متسللون"، و"أولئك الذين لديهم عدد أكبر من الأطفال"، وفي سلسلة من المقابلا، ادعى أن "الله اختاره لهذا الدور"، كما اتهم حزب بهاراتيا جاناتا بمضايقة وترهيب المعارضين السياسيين لمنعهم من الترشح، وقمع أصوات المسلمين والمعارضين طيلة 10 سنوات، وتكريس دولة الحزب الواحد، وتمثل الممارسات الأسباب الحقيقية لخسارة الحزب مقاعده في الانتخابات.
ويجمع المحللون على أن النتائج تشير إلى أن "موجة مودي" قد تضررت بسبب مشاكل مثل ارتفاع معدلات البطالة والتضخم، وفي أعقاب الانتخابات من المحتمل أن يضطر "مودي" إلى التعامل مع معارضة أقوى وأكثر نشاطًا مما كان عليه الحال في أي وقت خلال العقد الماضي، وقد تتأثر قدرة حزب بهاراتيا جاناتا على الاستمرار في سياساته القومية الهندوسية الأكثر تشددًا؛ حيث سيتعين عليه الاعتماد على شركاء الائتلاف، الذين لا يتشاركون بالضرورة نفس الأجندة القومية الهندوسية.
وكانت إحدى أكبر مفاجآت نتائج الانتخابات هي الخسائر الكبيرة التي تكبدها حزب بهاراتيا جاناتا في قلب الهند الناطق باللغة الهندية، أوتار براديش، وهي أكثر الولايات الهندية اكتظاظًا بالسكان وأهمية سياسية؛ حيث تضم 80 مقعدًا وتُعتبر مؤشرًا على بقية البلاد، وأظهرت النتائج المبكرة أن تحالف المعارضة "تحالف الهند" متقدم على تحالف حزب بهاراتيا جاناتا، مع خسارة العديد من الشخصيات البارزة في حزب بهاراتيا جاناتا لمقاعدهم؛ مما يشير إلى أن الحزب فقد دعمًا حاسمًا في أحد معاقله الرئيسية.