
في خطوة تصعيدية حاسمة، أصدرت إسرائيل أمرًا عاجلًا بإخلاء مدينة غزة بالكامل قبل يومين، مما يُعرّض نحو مليون فلسطيني لتهجير قسري في أشد الظروف الإنسانية قسوة. ويندرج هذا الأمر ضمن عملية عسكرية واسعة النطاق تهدف إلى السيطرة الكاملة على المدينة، بعد أشهر من الاشتباكات الدامية التي أحرقت أحياء بأكملها. وفي غزة المدينة، حيث يعاني المدنيون من مجاعة رسمية أعلنتها لجنة الأمن الغذائي المتكامل في أغسطس، أصبحت الخيام تكتظ بكل شبر من الأرض، وسط دمار يُذكّر بكوارث الطبيعة، لكنها هنا من صنع الإنسان.
ويواجه الفلسطينيون الجوعى، المنهكون، والمرعوبون من فقدان مساكنهم الأخيرة، خيارًا بين المغادرة نحو "مناطق إنسانية" مزدحمة بالفعل، أو البقاء تحت قصف محتمل يُهدد حياتهم. وهذه الأزمة ليست مجرد تحرك عسكري؛ إنها كارثة إنسانية تكشف عن هشاشة الجهود الدولية، حيث حذرت الأمم المتحدة من كارثة إذا تصاعدت العمليات، وسط انهيار الخدمات الأساسية وانتشار الأمراض بين مئات الآلاف الذين باتوا مشردين داخليًّا، وفقًا لصحيفة "نيويورك تايمز".
وتمثل مدينة غزة، التي كانت يومًا مركزًا حيويًّا يعج بالحياة، اليوم لوحة من الخراب واليأس. وتكشف صور الأقمار الصناعية لـ 4 سبتمبر 2025 عن خيام مكتظة عند أقدام المباني المدمرة، تمتد حتى الشواطئ، حيث يعيش الآلاف على بعد أمتار من الأمواج العاتية. وقبل ستة أشهر فقط، في فبراير 2025، كانت هذه الشواطئ خالية نسبيًّا، لكن التقدم العسكري الإسرائيلي في الشمال دفع السكان إلى النزوح الجماعي، محولًا الساحل إلى مخيم عملاق يفتقر إلى الماء والصرف الصحي.
وفي شارع عمر المختار، الشريان التجاري الرئيسي، تحولت الحدائق الخضراء إلى بحر من الخيام، يأوي مئات الجوعى الذين يروون قصصهم بأصوات مكسورة. "ليس لدينا مكان آخر"، يقول أحدهم، وهو يحمل طفلًا هزيلًا، مشددًا على أن النزوح المتكرر ليس مجرد إرهاق جسدي، بل كابوس مالي يستنزف آخر المدخرات على وقود الشاحنات أو الدراجات النارية. وهؤلاء المدنيون، الذين يعانون من سوء تغذية حاد، يواجهون الآن تهديدًا إضافيًّا يتمثل في فقدان الوصول إلى المساعدات القليلة التي كانت تصل عبر ممرات ضيقة.
ومدينة غزة كانت واحدة من آخر الملاذات الآمنة نسبيًّا في قطاع تغطيه شبكة من أوامر الإخلاء والمناطق العسكرية، حسب تقارير مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية. الآن، يُخطط جيش الاحتلال الإسرائيلي للسيطرة على كل شوارعها، بدءًا من أحياء الضواحي مثل الزيتون، التي رُميت بالأرض في أسابيع. وتُظهر صور أغسطس مباني قائمة هناك قبل أيام قليلة، بينما اليوم تبدو كأنقاض مدينة أشباح، تشبه الجانب الشرقي الذي دُمّر قبل سبعة أشهر.
وهذا الدمار المنهجي، الذي يبرره جيش الاحتلال بضرورة منع هجمات حماس المستقبلية، يعزز من عزلة المدنيين، فقد دخلت القوات الإسرائيلية المدينة سابقًا، لكن هذه المرة تستهدف مناطق لم تُمسّ من قبل، مما يعني توسعًا في النزوح. والأمم المتحدة تحذر من أن تكثيف العمليات سيساقط آلافًا إضافيين في فخ المجاعة، حيث أعلنت غزة والمناطق المحيطة حالة مجاعة رسمية، معتمدة على تصنيفات دولية تراقب أزمات الجوع العالمية.
يوجه الأمر الإسرائيلي السكان نحو "المنطقة الإنسانية" في الجنوب، شريط ساحلي ضيق يحتضن فيه بالفعل مئات الآلاف. ويدّعي جيش الاحتلال وجود "مناطق شاسعة خالية"، لكن صور أغسطس 2025 تكذب ذلك؛ الخيام تمتد ميلين داخليًّا، حيث يعيش الناس على حافة البحر، يعبّرون عن صدمتهم من فكرة استيعاب المزيد. وقبل عامين، في أكتوبر 2023، كانت هذه الأراضي حقولًا خضراء قليلة السكان، لكن الحرب حولتها إلى صحراء بشرية تفتقر إلى الرعاية الطبية والمياه النظيفة.
وأبعد جنوبًا، تنتهي المنطقة عند خطوط عسكرية إسرائيلية، ثم مدينة رفح المُفترسة، التي لجأ إليها مليون في 2024 قبل تهجيرها الثاني. وحتى فبراير 2025، بقيت بعض المباني قائمة، لكن الهدم المنظم أفنى كل شيء، مشابهًا لأجزاء أخرى من غزة. واليوم، يتصاعد الدمار، مقلصًا الملاذات إلى شريط ساحلي ضئيل، حيث يتعرض الجوعى لانتشار الأمراض والعواصف. ومع استمرار الحرب، يتساءل العالم: هل ستنقذ الجهود الدبلوماسية هؤلاء المدنيين من الانهيار الشامل، أم ستُغرق غزة في دوامة لا تنتهي؟