على الرغم من الكلفة البشرية والمادية الهائلة للحرب الإسرائيلية الغاشمة في غزة، التي أسفرت عن استشهاد ما يزيد على 35 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، وجرح عشرات الآلاف، ودمار البنية التحتية للقطاع الجريح، وفقدانه لكل أشكال ومقومات الحياة، إلا أن الدعم الأمريكي المادي، والمعنوي، والعسكري، والدبلوماسي لا يزال هائلاً وضخمًا لتل أبيب.
هذا الدعم الأمريكي الهائل أحدث انقسامات هائلة هي الأخرى داخل الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن، فقد تعالت الأصوات الداعية إلى وقف كل أشكال دعم بلادهم للعدوان الإسرائيلي، أو على الأقل تخفيفها على خلفية الدمار البشري والمادي الذي أحدثه الاحتلال في القطاع.
كان آخر هذه الانقسامات والاعتراضات حدة، إعلان ضابط عسكري أمريكي في وكالة الاستخبارات الدفاعية (DIA)، وهي وكالة تُعنى بجمع المعلومات الاستخباراتية وتحليلها عن الجيوش الأجنبية، استقالته من منصبه؛ احتجاجًا على دعم بلاده لإسرائيل خلال حربها الغاشمة.
ونشر الرائد في الجيش هاريسون مان، محلل شؤون الشرق الأوسط في وكالة الاستخبارات الدفاعية، على موقع “LinkedIn” يوم أمس الاثنين، أنه سيستقيل بسبب دعم الإدارة للحرب في غزة، وفقًا لما نقلته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية.
وفي الرسالة، انتقد "مان"، وهو من قدامى المحاربين في الجيش لمدة 13 عامًا، سياسة "بايدن" الداعمة لإسرائيل باعتبارها "مكنت من قتل وتجويع عشرات الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء".
وكتب: "كما تم تذكيرنا أخيرًا، فإن هذا الدعم غير المشروط يشجع أيضًا على التصعيد المتهور الذي يهدد بحرب أوسع نطاقًا"، في إشارة إلى التوترات الجيوسياسية التي تسبب فيها العدوان الإسرائيلي على غزة، من تصعيد إيراني وحوثي، وتبادل لإطلاق القذائف بين تل أبيب وحزب الله في جنوب لبنان.
ويُعد "مان"، وهو ضابط من الدرجة المتوسطة في الجيش، أول ضابط عسكري معروف أن الدعم الأمريكي للحرب الإسرائيلية هو سبب استقالته.
ولم يكن "مان" المعارض الوحيد، أول من أعلن صراحة تذمره وانتقاده، وأحيانًا استقالته، فقد تسربت منذ السابع من أكتوبر عدد من التقارير التي تفيد بانقسام الموظفين داخل الإدارة الأمريكية، ولا سيما في الوزارات والإدارات الحيوية وثيقة الصلة بالسياسة الخارجية الأمريكية.
وفي أكتوبر الماضي، استقال جوش بول، المسؤول بوزارة الخارجية في مكتب الشؤون السياسية العسكرية، احتجاجًا على سياسة الرئيس الأمريكي المتمثلة في نقل الأسلحة غير المشروطة إلى إسرائيل. وقال بول: "إن السياسة تنتهك التوجيهات الداخلية لإدارة بايدن والقوانين الأمريكية المتعلقة بنقل الأسلحة إلى الخارج".
وأعقب ذلك، استقالة نيل شيلين، مسؤولة الشؤون الخارجية في مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل التابع لوزارة الخارجية الأمريكية.
وفي مقال لشبكة "CNN"، قالت "شيلين" إنها ستتنحى جزئيًا؛ لأنه أصبح من المستحيل الدفاع عن حقوق الإنسان في الوقت الذي تسمح فيه الإدارة بحرب إسرائيل في غزة، على حد قولها.
وانتقدت "شيلين" بلادها، قائلة: "مهما كانت المصداقية التي كانت تتمتع بها الولايات المتحدة كمدافعة عن حقوق الإنسان، فقد اختفت بالكامل تقريبًا منذ بدء الحرب".
كما تركت هالة غريط، المتحدثة الناطقة بالعربية باسم الخارجية الأمريكية، منصبها من جراء تعامل إدارة بايدن مع الحرب. وبررت استقالتها في منشور عبر حسابها الشخصي على موقع " LinkedIn" قائلة إنها تركت منصبها اعتراضًا على سياسات الولايات المتحدة داخل قطاع غزة منذ بداية الحرب، والتي اعتقدت أنها كان بمقدورها تغيير تلك السياسات "الفاشلة"، لكنها أدركت بعد ذلك عدم مقدرتها على الاستمرار أكثر في المنصب.
كما قدم طارق حبش، مستشار السياسات الفلسطيني الأمريكي في مكتب التخطيط والتقييم وتطوير السياسات التابع لوزارة التعليم، استقالته في يناير الماضي لأسباب مماثلة.
ودفع ارتفاع عدد شهداء الإجرام الإسرائيلي مجموعة تطلق على نفسها اسم الفيدراليون المتحدون من أجل السلام إلى تنظيم إضراب للعاملين من عشرين وكالة اتحادية في يناير الماضي، وفقًا لموقع "المونيتور".
ووصفت شبكة "CNN" في نوفمبر الماضي، الانقسام الأمريكي بأنه "استثنائي"، ولم يحدث في إدارات سابقة، لافتة إلى أنه يسود اعتقاد لدى موظفي وزارة الخارجية بأن مساعدة أمريكا لإسرائيل يجب إخضاعها لقيود.