"منحتها 30 مليون دولار".. هل تمول أميركا مؤسسة غزة الإنسانية المدعومة من إسرائيل؟

مئات الفلسطينيين قتلوا أثناء حصولهم على المساعدات
"منحتها 30 مليون دولار".. هل تمول أميركا مؤسسة غزة الإنسانية المدعومة من إسرائيل؟
تم النشر في

في خطوة أثارت تساؤلات واسعة واستنكرها خبراء المساعدات، كشفت وثائق داخلية أن مسؤولاً بارزاً في وزارة الخارجية الأمريكية سارع، في أواخر يونيو 2025، بالموافقة على منحة قدرها 30 مليون دولار أمريكي لمؤسسة غزة الإنسانية، وهي منظمة إغاثية مدعومة من إدارة الرئيس دونالد ترامب وإسرائيل، وتجاهل القرار، الذي اتخذته واشنطن، اعتراضات قوية من موظفين متخصصين في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وتنازل عن تسع ضمانات إلزامية تهدف إلى مكافحة الإرهاب والاحتيال، وهذه السرعة في الموافقة، التي جاءت بعد خمسة أيام فقط من تقديم المؤسسة لمقترحها، تشير إلى دعم إداري رفيع، لكنها تفتح الباب أمام مخاطر جمة.

الموافقة المتسرعة

وتكشف تفاصيل الوثائق، التي اطلعت عليها "رويترز" أن جيريمي لوين المسؤول البارز في وزارة الخارجية الأمريكية، الذي أشرف على دمج مهام الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في وزارة الخارجية، هو من وقع على المنحة، رغم تقييم داخلي أشار إلى أن خطة تمويل مؤسسة غزة الإنسانية لم تستوفِ الحد الأدنى من المعايير الفنية أو المالية المطلوبة، وهذا القرار السريع، الذي جرى في 24 يونيو 2025، عكس إصراراً على المضي قدماً في التمويل.

وتجاوز لوين ليس فقط التقييمات السلبية، بل تجاهل أيضاً 58 اعتراضاً قدمها خبراء موظفو الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، الذين طالبوا بحل هذه النقاط في طلب المؤسسة قبل الموافقة على الأموال، حسبما أفادت مصادر مطلعة، وقد أكدت رسالة بريد إلكتروني، اطلعت عليها رويترز أيضاً، بتاريخ 25 يونيو، على "الدعم الإداري القوي لهذا الأمر"، وحث لوين على صرف الأموال في أقرب وقت ممكن.

المخاطر الأمنية

والمذكرة الداخلية، التي أرسلها كينيث جاكسون، وهو زميل سابق للوين ويعمل كنائب بالوكالة في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، شددت على خطورة التنازل عن الضمانات التسع، وعلى سبيل المثال، أشارت المذكرة إلى "متطلب قانوني" بضرورة فحص منظمات الإغاثة العاملة في غزة أو الضفة الغربية للكشف عن أي روابط بمنظمات متطرفة قبل منحها أموال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وحذرت الوثيقة من أن التنازل عن هذا الشرط قد "يزيد من خطر" اعتبار مجموعة الإغاثة أو مقاوليها من الباطن أو بائعيها "غير مؤهلين بسبب مخاوف تتعلق بالإرهاب".

كما لفتت المذكرة الانتباه إلى متطلب آخر، وهو ضرورة فحص الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لمدى كفاية الضوابط الداخلية للمنظمة في إدارة الأموال، وحذرت من أن التنازل عن هذا الشرط "يمكن أن يزيد من خطر سوء استخدام موارد دافعي الضرائب"، إضافة إلى ذلك، كانت الخطة التي قدمتها مؤسسة غزة للإغاثة، والمطلوبة قبل الموافقة على الأموال، غير مكتملة فيما يتعلق بكيفية تعاملها مع المخاطر القانونية والتشغيلية في غزة، وحذرت الوثيقة من أن التنازل عن الحاجة إلى خطة كاملة "قد يعرض التحويل البرنامجي، والضرر بالسمعة، والانتهاكات المحتملة لقوانين مكافحة الإرهاب الأمريكية للخطر".

تنازل خطير

ورغم هذه المخاطر الواضحة، أوصى جاكسون بالتنازل عن جميع المتطلبات التسعة والسماح للمؤسسة باستيفائها لاحقاً، مرجعاً ذلك إلى "الإلحاح الإنساني والسياسي" لعملية المؤسسة، وقد وافق لوين على هذه التوصيات بوضع علامة "موافقة" على كل منها، وهذه الخطوة تثير تساؤلات جدية حول مدى تأثير الضغط السياسي على الإجراءات الرقابية التي تهدف إلى حماية الأموال وضمان وصول المساعدات لمستحقيها دون استغلال.

ويشير التقرير إلى أن لوين تجاوز 58 اعتراضاً قدمها خبراء الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في مراجعتهم لطلب المؤسسة، بالإضافة إلى التنازل عن المتطلبات التسعة، ووصف مسؤولان سابقان رفيعا المستوى في الوكالة هذا الإجراء بأنه غير مسبوق، مؤكدين أنهم لم يروا مسؤولاً كبيراً يسارع بمنح جائزة على الرغم من اعتراضات الموظفين المحترفين، وهذا التجاوز للخبراء يثير مخاوف حول كفاءة وفعالية المساعدات الممنوحة، ويزيد من الشكوك حول دوافع القرار.

الجدوى التشغيلية

وطرح المسؤولون السابقون تساؤلات جوهرية خلال المراجعة، مثل كيفية ضمان المؤسسة لسلامة الفلسطينيين الذين يجمعون حزم الطعام في مواقعها، وما إذا كان موظفوها يتمتعون بالتدريب الإنساني المناسب، وخططها لتوزيع حليب الأطفال المجفف في منطقة تعاني من شح المياه الصالحة للشرب.

وهذه التساؤلات، التي لم يتم الرد عليها بشكل كافٍ قبل الموافقة على التمويل، تعكس قلقاً حقيقياً بشأن الجدوى التشغيلية للمؤسسة، لاسيما أنها لم تحقق أهدافها، واستغلتها إسرائيل في قتل أكثر من 800 مدني فلسطيني أثناء محاولة حصولهم على المساعدات، وفي ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال الأهم: هل ستضمن هذه الأموال وصول المساعدات بفعالية وشفافية للمحتاجين في غزة، أم أنها ستفتح الباب لمزيد من التعقيدات والمخاطر للفلسطينيين؟

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org