
يصادف اليوم الخميس، الثاني من نوفمبر، الذكرى الـ106 لصدور إعلان بلفور المشؤوم، الذي منحت بموجبه بريطانيا الحق لليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين.
ووفق وكالة الأنباء الفلسطينية، فإن "إعلان بلفور" كان بمثابة الخطوة الأولى للغرب على طريق إقامة كيان لليهود على أرض فلسطين؛ استجابة لرغبات الصهيونية العالمية على حساب شعب متجذر في هذه الأرض منذ آلاف السنين.
وجاء الإعلان على شكل تصريح موجه من قِبَل وزير خارجية بريطانيا آنذاك، آرثر جيمس بلفور في حكومة ديفيد لويد جورج في الثاني من نوفمبر عام 1917، إلى اللورد روتشيلد، أحد زعماء الحركة الصهيونية العالمية؛ وذلك بعد مفاوضات استمرت ثلاث سنوات دارت بين الحكومة البريطانية من جهة، واليهود البريطانيين والمنظمة الصهيونية العالمية من جهة أخرى، واستطاع من خلالها الصهاينة إقناع بريطانيا بقدرتهم على تحقيق أهداف بريطانيا، والحفاظ على مصالحها في المنطقة.
وكانت الحكومة البريطانية قد عرضت نص إعلان بلفور على الرئيس الأمريكي "ولسون"، ووافق على محتواه قبل نشره، ووافقت عليه فرنسا وإيطاليا رسميًّا سنة 1918، ثم تَبِعها الرئيس الأمريكي ولسون رسميًّا وعلنيًّا سنة 1919، وكذلك اليابان.. وفي 25 نيسان سنة 1920 وافق المجلس الأعلى لقوات الحلفاء في مؤتمر سان ريمو على أن يعهد إلى بريطانيا بالانتداب على فلسطين، وأن يوضع وعد بلفور موضع التنفيذ حسب ما ورد في المادة الثانية من صك الانتداب، وفي 24 تموز عام 1922 وافق مجلس عصبة الأمم المتحدة على مشروع الانتداب الذي دخل حيز التنفيذ في 29 سبتمبر 1923؛ وبذلك يمكننا القول إن إعلان بلفور كان وعدًا غربيًّا وليس بريطانيًّا فحسب.
في المقابل اختلفت ردود أفعال العرب تجاه الإعلان بين الدهشة، والاستنكار، والغضب.. وبهدف امتصاص حالة السخط والغضب التي قابل العرب بها إعلان بلفور؛ أرسلت بريطانيا رسالة إلى الشريف حسين، بواسطة الكولونيل باست، تؤكد فيها الحكومة البريطانية أنها لن تسمح بالاستيطان اليهودي في فلسطين إلا بقدر ما يتفق مع مصلحة السكان العرب، من الناحيتين الاقتصادية والسياسية؛ ولكنها في الوقت نفسه أصدرت أوامرها إلى الإدارة العسكرية البريطانية الحاكمة في فلسطين، أن تطيع أوامر اللجنة اليهودية التي وصلت إلى فلسطين في ذلك الوقت برئاسة حاييم وايزمن خليفة هرتزل، وكذلك عملت على تحويل قوافل المهاجرين اليهود القادمين من روسيا وأوروبا الشرقية إلى فلسطين، ووفّرت الحماية والمساعدة اللازمتين لهم.
أما الشعب الفلسطيني فلم يستسلم للوعود والقرارات البريطانية والوقائع العملية التي بدأت تُفرض على الأرض من قِبَل الحركة الصهيونية وعصاباتها المسلحة، بل خاض ثورات متلاحقة، كان أولها ثورة البراق عام 1929، ثم تلتها ثورة 1936.
من جهتها، اتخذت الحركة الصهيونية العالمية وقادتها من هذا الوعد مستندًا قانونيًّا لتدعم به مطالبها المتمثلة في إقامة الدولة اليهودية في فلسطين، وتحقيق حلم اليهود بالحصول على تعهد من إحدى الدول الكبرى بإقامة وطن قومي لهم يجمع شتاتهم، بما ينسجم مع توجهات الحركة الصهيونية، بعد انتقالها من مرحلة التنظير لأفكارها إلى حيز التنفيذ في أعقاب المؤتمر الصهيوني الأول، الذي عُقد في مدينة بازل بسويسرا عام 1897، والذي أقر البرنامجَ الصهيوني، وأكد أن الصهيونية تكافح من أجل إنشاء وطن للشعب اليهودي في فلسطين.
وتبدو الإشارة إلى إعلان بلفور في نص وثيقة الاستقلال المعلنة مع قيام دولة إسرائيل، دليلًا فصيحًا على أهمية هذا الوعد بالنسبة لليهود؛ حيث نقرأ في هذه الوثيقة: "الانبعاث القومي في بلد اعترف به وعد بلفور".
وتمكن اليهود من استغلال تلك القصاصة الصادرة عن آرثر بلفور المعروف بقربه من الحركة الصهيونية، ومن ثم صك الانتداب، وقرار الجمعية العامة عام 1947، القاضي بتقسيم فلسطين ليحققوا حلمهم بإقامة إسرائيل في الخامس عشر من مايو عام 1948، وليحظى هذا الكيان بعضوية الأمم المتحدة بضغط الدول الكبرى، ولتصبح إسرائيل أول دولة في تاريخ النظام السياسي العالمي التي تنشأ على أرض الغير، وتلقى مساندة دولية جعلتها تتغطرس في المنطقة، وتتوسع وتبتلع المزيد من الأراضي الفلسطينية والعربية، وتبطش بمن تَبقى من الشعب الفلسطيني على أرضه دون رحمة.
وقد أعطى إعلان بلفور وطنًا لليهود وهم ليسوا سكان فلسطين؛ حيث لم يكن في فلسطين من اليهود عند صدور التصريح سوى خمسين ألفًا من أصل عدد اليهود في العالم حينذاك (والذي كان يقدر بحوالى 12 مليونًا)؛ في حين كان عدد سكان فلسطين من العرب في ذلك الوقت يناهز 650 ألفًا من المواطنين الذين كانوا، ومنذ آلاف السنين يطورون حياتهم في بادية وريف ومدن هذه الأرض، ولكن الوعد المشؤوم تجاهلهم ولم يعترف لهم إلا ببعض الحقوق المدنية والدينية، متجاهلًا حقوقهم السياسية والاقتصادية والإدارية.
وفيما يلي نص إعلان بلفور:
وزارة الخارجية البريطانية
2 نوفمبر 1917م
عزيزي اللورد روتشيلد
يسرني جدًّا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة صاحب الجلالة، التصريح التالي، الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عُرض على الوزارة وأقرته:
"إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يكون مفهومًا بشكل واضح أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى".
وسأكون ممتنًا إذا ما أحطتم اتحاد الهيئات الصهيونية علمًا بهذا التصريح.