
في بروكسل، حيث يجتمع قادة الاتحاد الأوروبي، يستمر الخلاف الداخلي حول أهداف خفض الانبعاثات الكربونية المفاقمة لظاهرة التغير المناخي، رغم اقتراب موعد تقديم الالتزامات الجديدة للأمم المتحدة في 24 سبتمبر الجاري، قبل قمة "كوب 30" في البرازيل نوفمبر المقبل. ويتزامن هذا النزاع مع أزمة مناخية متفاقمة تهدد الكوكب، حيث تكشف وثيقة مسرّبة اطلعت عليها صحيفة "الغارديان" البريطانية عن غياب أرقام محددة للأهداف، مما يعكس عدم جدية الدول الأعضاء في تحمّل مسؤوليتها.
ويهدد هذا التردد بإضعاف الزخم الدولي، خاصة مع انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من اتفاق باريس للمرة الثانية. فلماذا يتأخر الاتحاد الأوروبي، الذي يُفترض أنه قائد عالمي في مكافحة التغير المناخي، عن تقديم التزامات قوية تساهم في الحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية؟
ومع اقتراب الموعد النهائي الذي حددته الأمم المتحدة، تبقى المفوضية الأوروبية ودول أعضاء رئيسية في خلاف حاد بشأن أهداف خفض الغازات الدفيئة. والوثيقة المسرّبة، التي حصلت عليها "الغارديان"، تظهر فراغات وأقواسًا مربعة بدلًا من الأرقام الرئيسية، مما يشير إلى غياب اتفاق حتى في المراحل المتأخرة. ويقول الخبراء: "إن هذا الوضع يعكس ترددًا خطيرًا، حيث أصبحت الأزمة المناخية أكثر حدّة، مع ارتفاع درجات الحرارة وكوارث طبيعية متكررة".
ويصف نيكلاس هونه، مؤسس معهد "نيو كلايمت"، الوضع بـ"المخيب للآمال"، مشيرًا إلى أن 28 دولة فقط من أصل 196 قدمت أهدافها الجديدة. ويؤكد هونه أن تقديم الاتحاد الأوروبي لهدفه يمكن أن يطلق زخمًا دوليًا، لكنه يحذّر من التأخير الذي يفاقم عدم الجدية الأوروبية أمام أزمة تتطلب إجراءات فورية.
وبموجب اتفاق باريس 2015، يجب على الدول تقديم مساهمات محددة وطنيًّا لخفض الانبعاثات. وحتى الآن، قدمت حوالي 30 دولة فقط خططها، بينما يدعو الأمين العام للأمم المتحدة إلى تقديمها قبل اجتماع الجمعية العامة في 24 سبتمبر 2025، لتقييمها قبل "كوب 30". الهدف الحالي للاتحاد هو خفض 55% بحلول عام 2030 مقارنة بعام 1990، لكن الهدف الجديد لعام 2035 يجب أن يمهّد لصافي صفري بحلول 2050، مما يتطلب خفضًا بنسبة 74-78%.
وينتقد مايكل بيتروني، محلل في "كلايمت أناليتكس"، النهج الخطي المقترح في الوثيقة، الذي يؤخر الإجراءات القريبة ولا يتوافق مع هدف 1.5 درجة. وهذا التأجيل يعكس عدم جدية، خاصة مع تعقيدات الجداول الزمنية، حيث يقترح بعض الأعضاء فصل هدف 2035 عن 2040، مما قد يؤدي إلى التزامات أضعف.
ويثير قادة مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون احتمال تأخير أو تخفيف الالتزامات، بينما يخشى النشطاء من موقف المستشار الألماني فريدريش ميرز، رغم دعم "الخضر"، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني التي انتقدت السياسات الخضراء سابقًا. كما يدفع فيكتور أوربان، زعيم المجر اليميني المتشدد، لإضعاف الهدف. وتكشف هذه المواقف عن لعب سياسي متهور يتجاهل استفحال الأزمة المناخية.
ويحذّر أندرياس سيبر، من منظمة "أورج 350"، من أن هذه التأخيرات تتعارض مع الإلحاح المناخي، مشيرًا إلى أن الطاقة النظيفة ساهمت في ثلث نمو أوروبا العام الماضي، وأن هدفًا طموحًا يعد بمزيد من الوظائف والأمن الطاقي.
ويضعف عدم التزام الاتحاد من "كوب 30"، التي تواجه عداءً أمريكيًّا مع إعلان الرئيس دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمرة الثانية، وتفكيك السياسات البيئية. وتشجّع هذه الخطوة دولًا مثل روسيا على عرقلة التقدّم، بينما تقلل الصين والهند من أولوية أهدافها وسط علاقات أقوى مع روسيا.
فهل سيتمكن الاتحاد الأوروبي من استعادة دوره القيادي قبل فوات الأوان، أم سيستمر في تجاهل مسؤوليته تجاه أزمة تهدد مستقبل العالم؟