تعيش حكومة دولة الاحتلال الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو في مأزق تاريخي في الآونة الأخيرة، ولاسيما أن الصراع بين القيادتين السياسية والعسكرية على أشده، ولا تلوح نهايته في الأفق.
مأزق الحكومة واقتراب تداعيها غذاه –بلا شك- إعلان رئيس الاستخبارات العسكرية أهارون هاليفا استقالته بسبب الإخفاقات التي أحاطت بعدم القدرة على توقع شن حركة حماس عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر.
الحادثة التي هزت الصورة العسكرية الإسرائيلية المثالية أودت بحياة نحو 1200 شخص، فضلاً عن وقوع نحو 250 في الأسر، ودفعت "هاليفا" إلى تقديم استقالته، على الرغم من تأكيده المسبق عدم مغادرة منصبه إلا بعد انتهاء الحرب في غزة.
وقال "هاليفا" في نص الاستقالة الذي قدمه لرئيس الأركان هرتسي هاليفي: "إن شعبة الاستخبارات لم تقم بالمهمة التي ائتُمنت عليها"، داعيًا إلى "تشكيل لجنة خاصة للتحقيق في الأحداث التي قادت إسرائيل إلى ما جرى يوم السابع من أكتوبر".
ولن تكون استقالة رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الوحيدة ربما؛ إذ توقعت وسائل إعلام عبرية تقديم قادة عسكريين رفيعي المستوى استقالاتهم بشكل متتالٍ خلال الفترة القصيرة القادمة.
ومن بين القيادات المتوقع أن تقدم استقالتها رئيس الأركان هرتسي هاليفي، ونائبه أمير برعام، إلى جانب قائد فرقة غزة أفي روزينفلد، وقائد المنطقة الجنوبية يارون فينكلمان. كما يُتوقع أن يقدم أليعزر توليدانو استقالته أيضًا، وكذلك الحال بالنسبة لقائد شعبة العمليات شلومي بيندر، الذي يتوقع أن يقدم استقالته بسبب الانتقادات التي وُجهت له بخصوص نقل كتائب من قيادة فرقة غزة إلى الضفة الغربية عشية "طوفان الأقصى".
فيما استبق رئيس القيادة المركزية للجيش الإسرائيلي، الجنرال يهودا فوكس، الأحداث وذلك بإبلاغه رئيس الأركان هرتسي هاليفي مؤخرًا أنه ينوي إنهاء فترة ولايته البالغة ثلاث سنوات في أغسطس المقبل، والتقاعد من الجيش.
سلسلة الاستقالات التي تضرب القيادات العسكرية الرفيعة في جيش الاحتلال أبانت فشلاً ذريعًا في إدارة الحرب في غزة؛ إذ لم يحقق الاحتلال أيًّا من أهدافه المرجوة من الحرب، على الرغم من كم الدمار الذي لحق بالبنية التحتية بالقطاع الجريح، وأعداد الشهداء الهائلة التي تجاوزت الـ35 ألفًا، معظمهم من الأطفال والنساء، فضلاً عن الكم الهائل من الانتهاكات والجرائم الإنسانية، منها تجويع السكان البالغ عددهم نحو مليونَين، وتهجيرهم قسرًا من منازلهم.
كما يدفع الفشل في إدارة صفقة الهدنة، التي بموجبها كان يفترض أن تحرر "حماس" الدفعة الأخيرة من الأسرى الإسرائيليين، وعدم القدرة على تحقيق أهداف القيادة السياسية الممثلة في "نتنياهو" من قِبل القيادات العسكرية؛ ما يضغط بشدة على أعصاب الجنرالات الإسرائيليين، ويدفعهم للسقوط بشكل متتالٍ، وتقديم الاستقالات والاعتذارات عن عدم استكمال المهمة الموكلة إليهم.
وتضع سلسلة "تساقط القادة" في تل أبيب حكومة "نتنياهو" في موقف حرج، يشي بسقوطها قريبًا، وذلك في ظل عدم القدرة على إنجاز الوعود للشعب الإسرائيلي بتحقيق انتصار حاسم في غزة، وتحرير الرهائن.
وربما تدفع الظروف الصعبة التي تعيشها الحكومة التي يسيطر عليها المتطرفون إلى خطوة مجنونة، قد تكلف تل أبيب آخر ما تبقى من صورتها ومكانتها العالمية التي حاولت تجميلها عبر السنوات والعقود، وذلك باجتياح رفح التي يقطنها نحو مليون ونصف المليون نازح فلسطيني؛ للتغطية على فشلهم الذريع، وما قد يحمله ذلك من تبعات إنسانية كارثية.