
في قلب جنوب غزة، حيث يتردد صدى الانفجارات الإسرائيلية المتواصلة، يطلق الأطباء في أكبر المستشفيات العاملة صرخة تحذير عاجلة اليوم (الأحد)، يتوقعون إغراقاً هائلاً بموجة من الجرحى والمرضى إذا فر مئات الآلاف من الفلسطينيين الشماليين جنوباً هرباً من الهجوم الإسرائيلي المتفاقم، وهؤلاء الأطباء، من مجمع ناصر الطبي قرب خان يونس، ومستشفيي الأهلي والشفاء في مدينة غزة، يصفون واقعاً يفوق التصور: إرهاق بشري بعد 23 شهراً من الحرب، ونقص حاد في الأدوية والوقود، مما يهدد حياة النازحين الجدد بكارثة إنسانية غير مسبوقة.
والسبب الرئيسي؟ تصعيد عسكري إسرائيلي يدفع السكان نحو "مناطق آمنة" غير مجهزة، في ظل غياب أي أمل قريب لوقف إطلاق نار بعد الضربة الإسرائيلية على قطر الأسبوع الماضي التي استهدفت قيادة حماس أثناء مناقشتها شروط صفقة اقترحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهذا التصعيد ليس مجرد نزاع عسكري؛ إنه اختبار لصمود نظام صحي مفكك، حيث يواجه النازحون مخاطر الوفاة السريعة بسبب الإصابات غير المعالجة والأمراض المنتشرة في الازدحام.
ويروي الدكتور محمد صقر مدير التمريض في مجمع ناصر الطبي، تفاصيل يومية مريرة: "نعمل منذ أكثر من 23 شهراً في حالة طوارئ دائمة، فنحن منهكون تماماً"، ويشير إلى أن الأعداد انخفضت بشكل دراماتيكي؛ بعض الزملاء ما زالوا في السجون الإسرائيلية، وآخرون قُتلوا داخل المستشفيات أو خارجها، بينما غادر آخرون غزة هرباً من الموت، والطلب الحالي يفوق الإمكانيات، مع إمدادات أدوية ووقود تتآكل يومياً، مما يجعل أي تدفق جديد للنازحين كارثة محتومة، وفي هذا السياق، يبرز التركيز على المخاطر المتعددة: الازدحام يعزز انتشار الأمراض المعدية، والنقص في الوقود يهدد بإغلاق المولدات، تاركاً الجرحى في الظلام واليأس، وفقاً لصحيفة "الجارديان" البريطانية.
وفي مستشفى الأهلي بغزة، الذي يخضع لأوامر إخلاء إسرائيلية منذ أسابيع، يصف الدكتور خميس العيسي، استشاري علاج الألم، الواقع بكلمات قاسية: "ترى أبراجاً بـ20 طابقاً تنهار في ثوانٍ، وآلاف العائلات تهرب مع أطفالها، وأطرافاً مشوهة وأطفالاً يُذبحون"، واليوم، يفوق عدد المرضى ثلاثة أضعاف الأسرة المتاحة، مع 400 حالة يومياً في الشهر الماضي، وثلاث أسرة فقط في وحدة العناية المركزة. الإصابات الخطيرة، مثل كسور الأطراف، تُرسل إلى المنازل لانتظار جراحات غير مضمونة، مما يعرض النازحين الجدد لخطر الوفاة بسبب النزيف أو العدوى، والسلطات الصحية أعلنت رفض إخلاء الشفاء والأهلي، وتعهدت منظمة الصحة العالمية ببقاء عمالها رغم دعوات الإخلاء لمليون شخص في غزة، لكن الضغط يدفع الأطباء نحو الامتثال المؤقت.
ويشهد مجمع ناصر، الذي يوفر نصف أسرة غزة، روتيناً يومياً من الموت والإصابات الناجمة عن الشظايا والرصاص، يقول الدكتور تيبو خان المتطوع الأمريكي من كاليفورنيا الذي وصل قبل عشرة أيام مع منظمة ميدغلوبال: "كل صباح، نستقبل سبعة إلى عشرة مراهقين مصابين بانفجارات أو رصاص، بعضهم برصاصة عالقة في الدماغ أو الصدر – إصابات مدمرة، ثلاثة أو أربعة منهم يحتضرون"، وهؤلاء الشباب والأطفال غالباً ما يُصابون قرب مراكز توزيع المساعدات المدعومة أمريكياً-إسرائيلياً، ويُنفى جيش الاحتلال الإسرائيلي إطلاق النار عمداً على المدنيين، مدعياً احتياطات وقائية. المخاطر هنا واضحة: النازحون الجدد، الذين يصلون مصابين أو مرضى، سيواجهون نقصاً في معدات أساسية مثل مقاييس الضغط والتخدير، مع إطفاء الكهرباء يومياً لتوفير الوقود.
ويخشى صقر أن يؤدي توسع العمليات الإسرائيلية إلى إجبار ناصر على الإغلاق، مما يعني "موت آلاف المرضى حتماً، إذ لا توجد مستشفيات جنوبية مجهزة لألف حالة"، تيدروس أدهانوم غيبريسوس مدير منظمة الصحة العالمية، يؤكد أن "المنطقة الإنسانية" الإسرائيلية في الجنوب غير قادرة على استيعاب الوافدين الجدد، رغم ادعاءات إسرائيل بتعزيز الخدمات الصحية، وهذه الادعاءات تواجه شكوكاً من الخبراء، الذين يرون فيها غطاءً لفشل إنساني، وفي ظل هذا الواقع، هل ستنجح الجهود الدولية في إنقاذ النظام الصحي قبل الانهيار الكامل؟