كشفت مصادر أمنية لصحيفة "نيويورك تايمز" أن جهاز المخابرات الإسرائيلي لم يتلاعب بأجهزة النداء القاتلة لحزب الله فحسب، بل صنعها من الصفر، بعد أن أنشأ شبكة معقدة من الشركات الوهمية في جميع أنحاء أوروبا.
وتحت عنوان "كيف بنت إسرائيل حصان طروادة العصر الحديث"، قالت "نيويورك تايمز"، اليوم الخميس: في البداية، وبعد إصابة الآلاف من الأشخاص ومقتل العشرات، كان يُشتبه في أن الموساد تمكّن من اعتراض وزرع قنابل صغيرة في شحنة من أجهزة النداء المتجهة إلى جماعة حزب الله.
لكن يبدو الآن أن الإسرائيليين أنشؤوا شركات وهمية في جميع أنحاء أوروبا لتصنيع أجهزة النداء بأنفسهم، ووضع كميات صغيرة من المتفجرات "PETN" في الداخل، جاهزة للتفجير برسالة مشفرة.
لم تؤكد "إسرائيل" أو تنفي أي دور لها في الانفجارات، لكن 12 مسؤولًا دفاعيًّا واستخباراتيًّا حاليًّا وسابقًا قالوا لصحيفة "نيويورك تايمز": إن الإسرائيليين كانوا وراءها، ووصفوا العملية بأنها "معقدة وطويلة".
وتضيف الصحيفة في تقريرها: كان الجواسيس الإسرائيليون يعملون بالفعل على خطتهم قبل فترة طويلة من شهر فبراير الماضي، عندما قال زعيم حزب الله حسن نصر الله: إن "إسرائيل" تستخدم شبكات الهاتف المحمول لتحديد مواقع عملائه.
ونصح نصر الله أتباعه بالتخلص من أجهزة الجوال، وقال لهم: "ادفنوه. ضعوه في صندوق حديدي وأغلقوه".
وحسب "نيويورك تايمز": كان حسن نصر الله يضغط لسنوات على حزب الله لاستخدام أجهزة النداء، وهو ما استغلته "إسرائيل" بعد ذلك.
ووفقًا لصحيفة "نيويورك تايمز": كانت إحدى شركات الموساد الوهمية هي شركة "بي. إيه. سي - B. A. C. Consulting" الاستشارية في بودابست بالمجر لإنتاج الأجهزة نيابة عن شركة تايوانية تدعى "جولد أبولو".
وقال رئيس "جولد أبولو" هسو تشينج كوانج، للصحفيين يوم الأربعاء: إن الشركة لديها اتفاقية ترخيص مع شركة "بي. إيه. سي." على مدى السنوات الثلاث الماضية.
وقالت "جولد أبولو" في بيان لها: "وفقًا لاتفاقية التعاون فإننا نسمح لشركة "بي أيه سي" باستخدام علامتنا التجارية لبيع المنتجات في مناطق محددة، ولكن تصميم وتصنيع المنتجات هي مسؤولية شركة "بي أيه سي" وحدها".
وحسب صحيفة "الديلي ميل" البريطانية: نفت "كريستيانا بارسوني أرسيداكونو" الرئيسة التنفيذية لشركة "بي. أيه. سي للاستشارات - BAC Consulting"، أي علم بخطة الموساد.
ويضيف التقرير: كما تم إنشاء شركتين وهميتين أخريين على الأقل؛ واحدة في صوفيا يرأسها رجل أعمال نرويجي لإخفاء الهويات الحقيقية للأشخاص الذين يصنعون أجهزة النداء: ضباط الاستخبارات الإسرائيليين.
ولا يُعرف مدى تورط رجال الأعمال الشرعيين الذين يديرون الشركات في الخطة النهائية أو علمهم بها، مثل الفيزيائية المتعلمة في بريطانيا "كريستيانا بارسوني أرسيدياكونو"، التي نفت أي علم بالمؤامرة.
لقد تعامل الموساد مع عملاء عاديين؛ حيث أنتجت لهم مجموعة من أجهزة النداء العادية. ولكن بالنسبة للموساد كان العميل الوحيد المهم حقًّا هو حزب الله، وكانت أجهزة النداء الخاصة به بعيدة كل البعد عن العادية.
ونقلت "نيويورك تايمز" عن ثلاثة من ضباط الاستخبارات، أنه تم إنتاج أجهزة اتصالات حزب الله بشكل منفصل، وكانت تحتوي على بطاريات مملوءة بمتفجرات "PETN".
وحسب الصحيفة: بدأ شحن أجهزة النداء إلى لبنان في صيف عام 2022 بأعداد صغيرة، ولكن الإنتاج زاد بسرعة بعد أن ألقى السيد نصر الله خطابه الذي ندد فيه بالهواتف المحمولة.
لم يحظر نصر الله الهواتف المحمولة في اجتماعات مقاتلي حزب الله فحسب، بل أمر أيضًا بعدم نقل تفاصيل تحركات المجموعة وخططها عبر الهواتف المحمولة، وأن يحمل الضباط أجهزة النداء في جميع الأوقات؛ مما أدى عن غير قصد إلى لعب دور أكبر في أيدي الإسرائيليين.
وصلت أجهزة النداء إلى البلاد وتم توزيعها بين ضباط حزب الله وحلفائهم؛ وفقًا لمسؤولين استخباراتيين أمريكيين تحدثوا إلى صحيفة "نيويورك تايمز".
بالنسبة لحزب الله كانت هذه الأجهزة بمثابة إجراء دفاعي، ولكن في "إسرائيل" أشار ضباط الاستخبارات إلى أجهزة النداء باعتبارها "أزرارًا" يمكن الضغط عليها للتفجير، كما حدث هذا الأسبوع.
وقالت "نيويورك تايمز": أنه وفقًا لثلاثة مسؤولين في الاستخبارات والدفاع، قامت "إسرائيل" بتشغيل أجهزة النداء لإطلاق صافرات الإنذار، وأرسلت لهم رسالة باللغة العربية بدا وكأنها جاءت من كبار قادة حزب الله.
بعد ثوانٍ دخل لبنان في حالة من الفوضى، حين أصيب حوالي 2800 شخص وقتل عشرة أشخاص عندما انتشرت الانفجارات في جميع أنحاء البلاد وأجزاء من سوريا.
وتعرضت خدمات الطوارئ لمزيد من الضغط؛ حيث انفجرت أجهزة اتصال لاسلكية يستخدمها حزب الله أيضًا يوم الأربعاء؛ مما أدى إلى إصابة 450 شخصًا ومقتل تسعة.