تتصاعد حدة معركة قانونية وسياسية بين الحكومة الفيدرالية الأمريكية وسلطات ولاية تكساس بسبب خلافات على طريقة معالجة أزمة المهاجرين.
وحسب موقع "الحرة"، يتهم حاكم ولاية تكساس الجمهوري، غريغ أبوت، إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بالتقاعس عمداً عن مواجهة تدفقٍ غير مسبوق للمهاجرين على الحدود في الأشهر الأخيرة، بينما تتهم الحكومة الفيدرالية الحاكم، بأنه يتجاوز السلطات الممنوحة له بموجب الدستور.
ويكمن الخلاف بين الجانبين حول السلطات الممنوحة للجهتين في دستور الولايات المتحدة، ومَن يتحمّل في نهاية المطاف المسؤولية عن حماية حدود البلاد لمنع عبور المهاجرين غير القانونيين.
وأكّدت إدارة بايدن على الحق الدستوري للحكومة في تنظيم الهجرة، بعد أن مدت تكساس أسلاكاً شائكة على الحدود مع المكسيك، ومنعت وصول العملاء الفيدراليين.
ودخل الجانبان معركة قانونية وصلت إلى أعلى محكمة في البلاد، والتي أمرت بإزالة الأسلاك، إلا أن أبوت أعلن رفضه تنفيذ هذه الإجراءات.
ودفعت هذه الأحداث إلى خروج بعض التقارير في الصحف التي تشير إلى مواجهات مسلحة أو محاولة تكساس الاستقلال عن الجمهورية، وخرجت بعض العناوين التي تقول: "هل تنفصل تكساس عن الولايات المتحدة؟ وهل تنشب حرب أهلية بين الأمريكيين؟"، "تكساس تلوّح بالانفصال عن الولايات المتحدة؟" و"تكساس تهدّد بالانفصال.. ماذا يحدث في الولايات المتحدة؟".
وهناك بالفعل في تكساس حركات تدعو إلى الاستقلال، لكن هذه المساعي فشلت في تحقيق أهدافها، حسبما قال ديفيد روزنبلوم، أستاذ الإدارة والسياسة في جامعة بوسطن، الذي تحدث مع موقع "الحرة".
دفع العدد المتزايد من عابري الحدود غير الشرعيين حاكم تكساس إلى بدء عملية تسمى "لون ستار"، في مارس 2021، وهي عملية تضمنت نشر عناصر من الحرس الوطني في تكساس، وإدارة تكساس للسلامة العامة (DPS)، وغيرهم من موظفي إنفاذ القانون لدعم أمن الحدود، ونشر أسلاك شائكة.
وفي سبتمبر 2023، بدأت دورية تابعة للحكومة الفيدرالية في قطع الأسلاك الشائكة التي وضعها الحرس الوطني في تكساس في إيغل بس، تكساس، ويقع جزء كبير من هذه الأسلاك على طول ضفة نهر ريو غراندي، الذي يعبر منه المهاجرون إلى الولايات المتحدة.
وفي 24 أكتوبر، رفعت ولاية تكساس دعوى قضائية أمام المحكمة الفيدرالية لمنع حرس الحدود من قطع الأسلاك، ودخل الجانبان سجالاً قانونياً في المحاكم.
وفي 10 يناير، استولت ولاية تكساس على متنزه شيلبي، المملوك لمدينة إيغل باس والمتاخم لنهر ريو غراندي. ثم قام الحرس الوطني في تكساس ببناء سياج حول المتنزه ومنع حرس الحدود الفيدرالي من الوصول إلى مرافق المتنزه.
ويتمحور الخلاف وفق شبكة "سي إن إن" حول مَن له السلطة على هذا الجزء من الحدود مع المكسيك.
وبشكل عام، تم النظر إلى خطوة تكساس على أنها تحدٍ لإدارة بايدن والقانون الفيدرالي، خاصة أنه سبق أن سنت الولاية قانوناً يسمح لقضاة الولاية بإصدار أوامر ترحيل للمهاجرين، وهي سلطة تتمتع بها الحكومة الفيدرالية.
وارتفعت حدة الخلاف مرة أخرى في 12 يناير الماضي، بعدما غرق طفلان وامرأة في جزءٍ قريبٍ من نهر ريو غراندي، الذي قامت الإدارة العسكرية المحلية بتولي مهمة تأمينه.
وندّدت الإدارة الأمريكية بالسلوك "غير الإنساني" لأبوت، بعد حادثة الغرق. وقال أنغيلو فرنانديز هيرنانديز، المتحدث باسم البيت الأبيض الأحد: "الألاعيب السياسية للحاكم أبوت قاسية وغير إنسانية وخطيرة. يجب أن يتمكن حرس الحدود الفيدراليون من الوصول إلى الحدود لتنفيذ قوانيننا".
واتهم عضو مجلس النواب الديموقراطي عن تكساس، هنري كويلار، الحرس الوطني في تكساس "بعدم السماح لشرطة الحدود بالوصول لإنقاذ المهاجرين". وأكّد في بيان "أنها مأساة تتحمّل ولاية تكساس مسؤوليتها".
ويوم الإثنين، 22 يناير الجاري، قالت المحكمة العليا إن الحكومة الفيدرالية لديها سلطة إزالة الأسلاك الشائكة التي قامت ولاية تكساس بتركيبها على الحدود الجنوبية.
وقالت وزارة الأمن الداخلي إن أمام تكساس مهلة حتى الجمعة لمنح السلطات الفيدرالية إمكانية الوصول إلى "أيغل باس".
لكن أبوت رفض تطبيق القرار، وقال إنه يزيد من دوريات حرس الحدود، ويضيف مزيداً من الحواجز والأسلاك الشائكة.
قال أبوت، في تبريره الإجراءات التي اتخذها، إن الرئيس بايدن "رفض تطبيق" القوانين التي تمنع المهاجرين غير الشرعيين من دخول الولايات المتحدة، ويدعي بالتالي أن ولايته تتمتع بالحق في ذلك.
ويقول ديفيد روزنبلوم، خبير السياسة الداخلية الأمريكية لموقع "الحرة"، إنه عندما تم تأسيس الولايات المتحدة في الاجتماع الدستوري، عام 1787 احتفظت الولايات ببعض الحقوق وتنازلت عن بعضها، وشملت الأخيرة الحصول على الحماية من الحكومة الفيدرالية، ومن بينها حماية الحدود.
وقال إنه "كان هناك خوف حقيقي من إعادة غزو البريطانيين للبلاد، ولم يكن لدى الولايات آلية موحدة ضد ذلك".
لذلك فإنه "منذ البداية، تمّ تكليف الحكومة الوطنية بمسؤولية الدفاع في الحدود، لذا، ليس لتكساس أي حق على الإطلاق في القيام بما تفعله الآن".
وقال ديفيد كول، المحامي الدستوري من تكساس لصحيفة "الإندبندنت" إن النزاع هو جزءٌ من معركة سياسية أكبر. وأضاف: "إنها إستراتيجية واسعة النطاق لتغيير توازن سلطات الدولة الفيدرالية، تماماً مثل الحملة الطويلة لإسقاط قضية "رو ضد وايد" (حق الإجهاض)".
ونظرت المحكمة العليا من قبل في مسألة الخلاف بين سلطات الولايات والسلطة الفيدرالية فيما يتعلق بالحدود.
في عام 2012، ألغت المحكمة جزئياً قانوناً للهجرة أقرّته ولاية أريزونا، يهدف إلى زيادة صلاحيات تطبيق القانون المحلي في إنفاذ قوانين الهجرة الفيدرالية، حيث سمح لسلطات إنفاذ القانون على مستوى الولاية والمحليات باعتقال الأفراد دون أمر قضائي بموجب "شبهة معقولة". وفرض القانون على الأفراد الذين توقفهم الشرطة إبراز شكل من أشكال إثبات الهوية.
وفي 2012، قضت المحكمة العليا أن أغلبية أجزاء القانون غير دستورية بموجب سلطة الحكومة الفيدرالية بشأن الهجرة.
ويوضح موقع "فوكس" أنه موجب القانون الفيدرالي الحالي، "فالحكومة الفيدرالية هي المسؤولة عن جميع المسائل المتعلقة بسياسة الهجرة تقريبا".
وكما قالت المحكمة العليا في قضية أريزونا: "من الضروري أن تكون الدول الأجنبية المعنية بوضع مواطنيها وسلامتهم وأمنهم في الولايات المتحدة قادرة على التشاور والتواصل بشأن هذا الأمر مع سلطة وطنية واحدة وليس مع 50 ولاية منفصلة".
علاوة على ذلك، ينص القانون الفيدرالي على أنه يجوز لعملاء حرس الحدود "الوصول إلى الأراضي الخاصة، ولكن ليس المساكن، لغرض حراسة الحدود لمنع الدخول غير القانوني للأجانب إلى الولايات المتحدة، لذلك فإن زعمت ولاية تكساس امتلاكها صلاحية استخدام الأسلاك الشائكة لمنع الضباط الفيدراليين من أداء واجباتهم هو انتهاك مباشر للقانون الفيدرالي".
وفي حالة تكساس، مثلما هو الحال مع أريزونا، "من المؤكد تقريباً أن الحكومة الفيدرالية ستكون لها الكلمة الأخيرة"، وفق ريتشارد ألبرت، أستاذ القانون الدستوري في جامعة تكساس، الذي تحدث إلى "الإندبندنت".
وقال ألبرت: "بموجب الدستور الأمريكي، تتمتع الحكومة الفيدرالية بسلطة تنظيم الهجرة، لذا من غير الدستوري أن تقوم الولاية بسن قانون أو الانخراط في سلوك يتعارض مع لوائح أو عمليات الهجرة التابعة للحكومة الفيدرالية".
ومع ذلك، قد يكون هناك طريق واحد لأبوت، وفق ألبرت، وهو: "إذا تمكنت تكساس من إثبات أن الحكومة الفيدرالية قد تخلت تماماً عن مسؤوليتها الدستورية لتنظيم الهجرة، فقد يكون لدى تكساس فرصة في المحكمة العليا" لكنه يعتقد أن فرصة حدوث ذلك "بعيدة المنال".
وقال محامي الهجرة في شمال تكساس، حاييم فاسكويز، لـ"سي بي إس": "نحن أمام قضية حرجة للغاية الآن لأننا نختبر جوهر الجمهورية، وما إذا كانت المحكمة العليا تتمتع بالسلطة أم لا، وما إذا كان يتعين على الولايات الالتزام بها أو إيجاد طريقة لتفسيرها".
ويعتقد روزنبلوم في تصريحاته لموقع "الحرة"، بأنه يفترض أن تطبق الولايات طواعية أوامر المحاكم، ويرى أن "الخطوات القادمة ليست واضحة" الآن.
ويشير إلى أن عدم تطبيق أوامر المحكمة العليا أمر "غير عادي" إلا أنه "حدث من قبل عام 1832 عندما رفضت أعلى محكمة في البلاد إجراءات، الرئيس أندرو جاكسون، تجاه السكان الأصليين، وقضت بأن إخراج القبائل من أراضيهم "غير قانوني"، إلا أن جاكسون تجاهل أمر المحكمة".
وأضاف: "كان هذا أمراً غير عادي لدرجة أنه لايزال يتذكره الجميع في كتب التاريخ".
ويقول الخبير: "تحدي أمر المحكمة أمر نادر الحدوث وعندما تتحدى حكومة ما أمر المحكمة، فإن الخطوات التالية لا تكون واضحة".
ويقول فاسكيز إنه "سيتعين علينا أن ننتظر ونرى مَن سيتخذ الإجراء التالي" لكنه يشير إلى أنه "إذا تراجعت الحكومة الفيدرالية، فإنها ستفقد تماماً السلطة التي تتمتع بها".
ويدعم 25 حاكماً جمهورياً موقف الحاكم أبوت، ويقولون إن تكساس لديها الحق الدستوري في الدفاع عن النفس. ويقول أبوت إنه يعتقد أن تلك الولايات ستكون على استعداد لإرسال قوات إلى الحدود إذا لزم الأمر.
ويعتقد "روزنبلوم" أنه سيكون من الصعب أنه نطلق على الخلاف الحالي "صراعاً عسكرياً، لأن ولاية تكساس تستخدم شرطتها والحكومة الفيدرالية تستخدم دوريات الحدود الخاصة بها، هذه مجرد قوات شرطية".
وأضاف: "هذه مسألة تقنية وليست صراعاً مسلحاً. أسميها مواجهة قانونية وسياسية".
ويوضح أن هناك حركات تدعم استقلال تكساس لكنها لم تنجح.
وواجهت الحركات عديداً من الانتكاسات الأخيرة، ليس أقلها الفشل في الحصول على استفتاء على انفصال تكساس في المجالس التشريعية في الولاية.
ويقول "روزنبلوم": "لا أعتقد أن تكساس تحاول الانفصال. ما يحدث أن السياسيين في تكساس يريدون إدارة البلاد بطريقتهم، ويشمل ذلك أبوت نفسه".
ويقول إن "الحاكم والمدعي العاميين في الولاية تحدّوا عديداً من السياسات الفيدرالية خلال السنوات الماضية. هذا صراع سياسي وقانوني. إنه صراع قبيح، ونحن في منتصفه".