محاسبة أم إفلات من العدالة؟.. تسوية وضع "جزار" نظام "الأسد" تفجر غضب السوريين

ارتكب جرائم في حق المدنيين خلال الثورة ومطلوب دولياً
محاسبة أم إفلات من العدالة؟.. تسوية وضع "جزار" نظام "الأسد" تفجر غضب السوريين
تم النشر في

أثار ظهور اللواء طلال مخلوف القائد السابق للحرس الجمهوري في جيش النظام السوري، في أحد مراكز دمشق لإجراء ما يُعرف بـ "تسوية وضع"، جدلاً واسعاً في الأوساط الحقوقية والسياسية، نظراً لاتّهام مخلوف بالمسؤولية عن ارتكاب انتهاكات جسيمة خلال سنوات الصراع الدامي في سوريا، الذي تجاوز عقده الثاني، وهذا الظهور يُعيد إلى الواجهة تساؤلات حاسمة حول مسار العدالة الانتقالية في البلاد، ويُلقي بظلالٍ من الشك على إمكانية محاسبة المسؤولين عن الجرائم التي ارتُكبت.

اتهامات وانتهاكات

تولّى مخلوف قيادة الحرس الجمهوري، أحد أكثر التشكيلات العسكرية تسليحاً ونفوذاً في النظام السوري، في الفترة من 2016 إلى 2018. وقبل ذلك، قاد "اللواء 105" الذي ارتبط اسمه بقمع المظاهرات السلمية في بداية الثورة السورية، خاصة في مناطق مثل دوما وحرستا بريف دمشق، واعتبر جزاراً للنظام السوري.

ووفقاً لتقرير صادر عن منظمة "هيومن رايتس ووتش" عام 2011، أُدرج اسم مخلوف ضمن قائمة الضباط الذين أصدروا أوامر مباشرة بإطلاق النار على المتظاهرين. كما تشير تقارير أخرى إلى استخدام مستودعات "اللواء 105" لتخزين مواد كيميائية قبل وصول المراقبين الدوليين عام 2013، في سياق تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2118 بشأن التخلص من الأسلحة الكيميائية في سوريا.

وتتّهم منظمات حقوقية مخلوف بالمشاركة في عمليات عسكرية أدت إلى تهجير آلاف المدنيين، بما في ذلك اقتحام الغوطة الشرقية ووادي بردى، فضلاً عن دوره في الحملة العسكرية على أحياء حلب الشرقية أواخر عام 2016. نتيجة لذلك، فُرضت على مخلوف عقوبات من الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة بسبب مسؤوليته عن انتهاكات خطيرة بحق المدنيين. هذه العقوبات تُعدُّ دليلاً إضافياً على تورّطه في أعمال تُخالف القانون الدولي الإنساني.

إهانة العدالة

يُعبّر مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، عن استيائه من تسوية وضع مخلوف، قائلاً إنّه كان مسؤولاً عن قصف مدن وإعدام مدنيين ميدانياً، وإن فكرة بقائه طليقاً تُعدُّ إهانة للعدالة. يُشير عبد الرحمن أيضاً إلى ما وصفه بـ "التناقض في التعامل مع المتورطين في الجرائم"، حيث يُقبض على ضباط صغار لمشاركتهم في عمليات قتالية ضد تنظيم داعش دون ارتكاب جرائم ضد المدنيين، بينما يُترك أمثال مخلوف دون محاسبة. هذا التناقض يُثير تساؤلات حول جدية النظام في محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.

ويؤكد الناشط الحقوقي السوري، عبد الكريم الثلجي، أن "المحاسبة والمساءلة هما الأساس لتحقيق العدالة الانتقالية"، مشيراً إلى أن "الإفلات من العقاب يؤدي إلى استدامة الفساد والجريمة". يرى الثلجي أن قضية مخلوف تمثل تحدياً كبيراً لمسار العدالة الانتقالية في سوريا. هناك انقسام بين السوريين بشأن توقيت المحاسبة، فالبعض يعتقد بضرورة المحاكمة الفورية لضمان عدم إفلات المجرمين من العدالة، بينما يدعو آخرون إلى انتظار تشكيل محاكم وطنية مهنية وعادلة، لمحاكمة كل شخص بناءً على أدلة دامغة.

مطالبات بالمحاسبة

وتستمر المطالبات من عائلات المعتقلين وضحايا الجرائم بضرورة محاكمة شخصيات مثل مخلوف. يُواصل المجتمع الحقوقي جمع الأدلة وتوثيق الجرائم، ويسعى لإنشاء منظومة قضائية مستقلة بمساعدة خبرات دولية لضمان محاكمة عادلة. يدعو عبد الرحمن إلى اعتقال جميع المتورطين في جرائم الحرب، حتى لو تأخرت محاكمتهم، مُشدّداً على ضرورة إنشاء محاكم دولية داخل سوريا لمحاكمتهم بناءً على الأدلة الموثقة.

ووفقاً لرئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، يتحمل نظام الأسد المسؤولية الكبرى عن الجرائم والانتهاكات التي ارتُكبت منذ 2011. وثّقت الشبكة آلاف الحالات من الاعتقال والإخفاء القسري والقتل. يُشدّد عبد الغني على أن العدالة يجب أن تتحقق عبر المحاكم، مشيراً إلى أن المجتمع الدولي يمتلك أدلة كافية لتقديم المتورطين إلى المحاكمة. ومحاسبة شخصيات مثل مخلوف ضرورية لطمأنة الأهالي وضمان عدم تكرار الانتهاكات.

وفي ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال المطروح: هل ستشهد سوريا محاسبة حقيقية للمتورطين في الجرائم، أم أن تسويات من هذا القبيل ستُعيق مسار العدالة وتُكرّس ثقافة الإفلات من العقاب؟.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org