رغم تفاخرها الدائم بأنها رائدة عالمية في مجال حقوق الإنسان والقانون الدولي، التزمت الولاياتُ المتحدة الصمتَ بشكل ملحوظ منذ الجمعة الماضي، بعد أن أمرت محكمةُ العدل الدولية إسرائيلَ بالامتثال لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية ووقف هجومها على مدينة رفح جنوب قطاع غزة على الفور.
وتناقض غياب أي بيان عام من إدارة الرئيس جو بايدن حول وقف هجوم رفح، بشكل صارخ، مع حكم مماثل أصدرتْه المحكمة في مارس 2022، يأمر روسيا بأن توقف على الفور العمليات العسكرية التي كانت قد بدأتها للتوّ في أوكرانيا؛ إذ رحّبت وزارة الخارجية الأمريكية حينها بالحكم ترحيبًا حارًّا، مشيرة إلى أن المحكمة تلعب دورًا حيويًّا في التسوية السلمية للنزاعات بموجب ميثاق الأمم المتحدة، ودعت موسكو إلى الامتثال.
ويتعارض هذا الموقف الأمريكي، الذي يصف غزو إسرائيل لرفح بأنه "محدود" رغم رفضها المتكرر في العلن له؛ مع استنتاج المحكمة بأن رفح تُمثّل تغيُّرًا في الوضع منذ تحذيرها الأخير في وقت سابق من هذا العام، بأن الإجراءات الإسرائيلية في غزة تعرّض الفلسطينيين لخطر الإبادة الجماعية، ولا تملك المحكمة، وهي فرع من فروع الأمم المتحدة، أي آلية لفرض أوامرها التي يجب أن يصوّت عليها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؛ حيث تتمتّع الولايات المتحدة بحقّ النقض "الفيتو"؛ وفقًا للكاتبة "كارين دي يونغ" التي نشرت في صحيفة "واشنطن بوست" مقالًا بعنوان "صمت الولايات المتحدة مع تصاعد الإدانة العالمية للهجوم الإسرائيلي على رفح".
وترى "كارين دي يونغ" أنه حتى دون تأثير جوهري لحكم محكمة العدل الدولية، فإنه يخدم في زيادة عزلة إسرائيل -والولايات المتحدة باعتبارها الداعم العسكري والدبلوماسي الرئيسي لها- عن الرأي العالمي.
وقال "هارولد هونغجو كو" أستاذ القانون الدولي في كلية ييل للحقوق والمستشار القانوني السابق لوزارة الخارجية في إدارة أوباما: "ينبغي لنا جميعًا أن ندرك أن هذا تحول في اتجاه سلبي للغاية، وأن الولايات المتحدة أصبحت معزولة بشكل متزايد؛ لأن الناس بدؤوا يربطون دعمها بالمساعدة والتحريض على العمل غير القانوني".
مضيفًا: "يجب أن نتذكّر أن البلدان الثلاثة عشر التي صوتت لصالح القرار في المحكمة المكونة من 15 عضوًا، تشمل دولًا رئيسية في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى دول الشرق الأوسط وأفريقيا، ولا يمكن للبيت الأبيض أن يتجاهل الرسالة السياسية التي يبعثها هذا القرار".
وفي حين استمرّت الإدارة الأمريكية في وصف الهجوم على رفح بأنه "محدود"، إلا أنها عكست المخاوف المتزايدة. وقال "ديفيد ساترفيلد"، الذي شغل منصب المبعوث المعني بالشواغل الإنسانية في الإدارة الأمريكية خلال الأشهر الستة الأولى من الحرب، ولا يزال مستشارًا في وزارة الخارجية: "كان لدينا شقّان للقلق بشأن عملية رفح؛ الشق الأول يتعلّق بالعواقب الناجمة عن تشريد ما يصل إلى 1.5 مليون شخص كانوا قد ازدحموا في رفح ومحيطها، والشقّ الثاني من القلق كان أن يؤدي العمل العسكري المحدود أو غير المحدود، إلى رؤية الإجلاء الجماعي للغزيين، وكل ذلك سيتعارض مع القدرة اللوجستية والجسدية على نقل المساعدات، وتحقّقت جميع هذه المخاوف التي كنا قد أطلعنا عليها حكومة إسرائيل على أعلى مستويات الدولة، بشكل مؤسف".
وفي غياب حلّ فوري، عادت الإدارة الأمريكية إلى ما كان لفترة طويلة جهدها المفضل لوقف القتال، وهو هدنة مؤقتة مع "حماس" تسمح بإطلاق سراح الرهائن وزيادة كبيرة في المساعدات الإنسانية. وقد انهارت هذه الجهود -التي بدأت منذ أشهر- في وقت سابق من هذا الشهر عندما رفضت حماس وإسرائيل تعديلات بعضهما البعض على صفقة تم التفاوض عليها تحت رعاية الولايات المتحدة ومصر وقطر.