استهدفت قوات نظام بشار الأسد بالغارات والصواريخ والمدافع، أمس الاثنين، مدنًا وبلدات عدة في الغوطة الشرقية المحاصرة، مما أسفر عن مقتل 80 مدنيًا، بينهم ما لا يقل عن عشرين طفلاً، وإصابة أكثر من 400 آخرين بجروح، وفق حصيلة للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
وتفصيلاً ، رصدت وكالة الأنباء الفرنسية في مشرحة أحد مستشفيات مدينة دوما "نضال" الذي كان يبكي إلى جانب جثة ابنته، قبل أن يلتفت بحرقة إلى من يقف حوله ويقول لهم "لا يزال لديّ خمسة أطفال لا أعرف مكانهم"، والمشهد يتكرر في مستشفيات أخرى في الغوطة الشرقية التي اكتظت بالأطفال وبأهل يبحثون عن أبنائهم.
جاء ذلك بعد تصعيد جديد لقوات النظام بدأ مساء الأحد، ويتزامن مع تعزيزات عسكرية تنذر بهجوم بري وشيك على المعقل الأخير للفصائل المعارضة قرب دمشق.
وشاهد مراسل فرانس برس في مشرحة مستشفى مدينة دوما، 11 جثة ممددة على الأرض وقد لفت بأغطية سوداء اللون.
ويصف مراسل الوكالة الفرنسية المشهد بقوله: "يدخل نضال إلى المشرحة وبعد لحظات يجد ابنته الطفلة فرح بين الضحايا وقد لفت بغطاء بني اللون. يجلس على الأرض إلى جانبها وهو يجهش بالبكاء، ثم يسأل العاملين من حوله "هل يوجد براد لنضعها فيه؟". يأتيه الجواب بالنفي.
يضع يده على جثة ابنته التي قتلت في قصف جوي على بلدة مسرابا قبل أن يقلها المسعفون إلى مستشفى دوما، ويقول "لديّ خمسة أطفال لا أعرف عنهم شيئًا، خمسة ووالدتهم". ولا يجد المتطوع في الدفاع المدني شيئًا يقوله له لمواساته سوى "الله يصبرك".
وبعد المزيد من البحث، وجد نضال، وفق مراسل فرانس برس، باقي أفراد عائلته بخير، وفي المشرحة ذاتها، ينتحب رجل لف رأسه بكوفية ويلطم وجهه حزنًا قبل أن يعانق جثتي طفليه دون أن يقوى على الكلام، فيما يدخل رجل آخر من عائلة محجوب، فيتعرف على جثة طفله الرضيع، الذي لم يتجاوز الأسبوع من العمر، وقد وضعت أرضًا على غطاء بنفسجي اللون إلى جانب بقعة كبيرة من الدماء.
وفي غرفة الطوارئ في المستشفى، طفل يجلس بهدوء غريب وهو بحالة ذهول، فيما يقوم أحد الممرضين بمعالجة أذنه ووجهه، فيما يجلس على سرير آخر، طفلان، أحدهما لف وجهه وعيناه بضمادات بيضاء اللون، وآخر لف جبينه بقطعة قماش، فيما بدت آثار الدماء على وجهه.
وفي زاوية ثالثة، ينهمك خمسة عاملين في علاج طفل يصرخ من شدة الوجع، ولا يمكن رؤية معالم وجهه من كثرة الدماء.
ووسط هذا الضجيج، يحمل أحد عناصر الإنقاذ طفلاً جريحًا بعد انتشاله من تحت الأنقاض من مدينة حمورية في الغوطة الشرقية إثر تعرضها للقصف من قوات النظام في التاسع عشر من فبراير 2018.
وفي مدينة حمورية، التي قُتل فيها 20 مدنيًا من جراء الغارات، تكرر المشهد ذاته، مستشفيات مكتظة بالجرحى وعاملون طبيون لا يقوون على معالجة جميع الجرحى.
وأفاد مراسل فرانس برس بأن المستشفى، وبسبب ارتفاع عدد الضحايا، بدأ بتحويل العديد من الحالات إلى مراكز طبية أخرى.
وفي مشرحة المستشفى، يتمدد رجل على الأرض وقد أُصيب بجروح بالغة في رأسه، إلا أن قلبه لم يتوقف عن الخفقان، حيث لم يقو الأطباء على إسعافه، ولم يجدوا حلاً إلا أن يتركوه جانبًا في محاولة لإنقاذ أكبر عدد ممكن من الجرحى الآخرين المتوافدين إليهم.
ويواجه عمال الإنقاذ والمسعفون والأطباء في الغوطة الشرقية صعوبة في إتمام مهماتهم من جراء ارتفاع أعداد الضحايا والنقص في الإمكانات والمعدات، نتيجة الحصار المحكم الذي تفرضه قوات النظام منذ العام 2013.
ويواصل مراسل الوكالة الفرنسية وصفه : يأتي رجل باحثًا عن طفله، يبادر أحدهم إلى رفع الغطاء عن إحدى الجثث، وسرعان ما يتضح أنها تعود لابنه، فينهار باكيًا.
وفي دوما، شاهد مراسل فرانس برس خمسة أطفال غطى الغبار الناتج من القصف وجوههم في المستشفى، وهم يبكون من شدة الخوف. وقد أعطاهم المسعفون البسكويت لتهدئتهم، إلا أنهم استمروا بالبكاء.
وبعد وقت قصير يأتي رجل، ويجد طفليه بينهم. يحملهما من شدة الفرح، ويبدأ بالبكاء والصراخ "لا إله إلا الله، عادوا لي بخير الحمد الله، الله أكبر".