قبل نحو 14 سنة، تحديدًا في عام 2008، أطلق مكتب مكافحة المخدرات الأمريكي عملية أمنية موسعة، استمرت سنوات لاحقة، استهدفت مطاردة كبار شخصيات "حزب الله" في شبكته لتهريب المخدرات وغسل الأموال حول العالم، وأطلقت على تلك العملية "مشروع كاسندرا"، قبل أن يحبط الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما المشروع في صالح الوصول إلى اتفاق نووي مع طهران في 2015.
ويسرد المدون ماجد الماجد في سلسلة تغريدات مطولة على "تويتر" قصة ذلك المشروع، كما يوثِّقه فيلم وثائقي أمريكي، يُعرَض الآن على منصة "شاهد"، يحمل عنوان "The Cassandra Prophecy"، ويبحث في دهاليز وتفاصيل نشاطات "حزب الله" المشبوهة لتبييض وغسل الأموال، وتجارة السموم والمخدرات، والشخصيات المشبوهة المرتبطة بالحزب، وعملياته الإجرامية حول العالم.
وقد بدأت القصة في عام 2005 عندما لاحظت أجهزة الأمن الكولومبية أثناء تعقُّبها عصابات تجارة المخدرات مئات الساعات من التسجيلات باللغة العربية؛ ما حدا بهم للاستعانة بمكتب مكافحة المخدرات الأمريكي، الذي بدوره توصل عبر أحد عملائه الذي ينحدر من لبنان إلى شبكة معقدة من الجريمة المنظمة، تعمل على تبييض الأموال، وتجارة السموم والمخدرات، ولها صلات مباشرة بـ"حزب الله"!
ومن هنا انطلق "مشروع كاسندرا" السري، وتحديدًا في عام 2008؛ لتتبُّع واستقصاء نشاطات "حزب الله" الإجرامية حول العالم، والعمل على كشف خيوطها، والشخصيات التي تقف خلفها، وإحباط عملياتها غير الشرعية.
واستطاع عملاء المشروع السري تفكيك عدد من العصابات الإجرامية التابعة لـ"حزب الله" خلال فترة عمل المشروع، كما أماطوا اللثام عن عدد من الشخصيات المحورية داخل تلك النشاطات الإجرامية. وعقب توصلهم إلى المنطقة المركزية التي يمارس فيها كارتل "حزب الله" عمليات توزيع الكوكايين، التي تتمركز في مثلث النار الحدودي الذي يجمع بين البرازيل والأرجنتين وباراجواي، تمكنوا من تفكيك إحدى تلك العصابات المرتبطة بالميليشيا اللبنانية الإرهابية، وكان أحد أبرز أسمائها شكري حرب، الذي اعتُقل قبل يوم من هربه إلى سوريا أواخر أكتوبر من عام 2008.
ووفقًا للتحقيقات آنذاك، فقد كان لدى "حرب" تعاون وثيق مع كارتل كولومبي إجرامي، يعمل على تهريب الكوكايين إلى الولايات المتحدة عبر بنما، وإلى أوروبا، والشرق الأوسط، مرورًا بإفريقيا.
وقادت التحقيقات الكثيفة، وعمليات تحليل البيانات التي جرت على قدم وساق، والتعاون الذي أجراه مكتب مكافحة المخدرات الأمريكية بالتعاون مع أكثر من 30 وكالة أمنية حول العالم، إلى الكشف عن مزيد من المعلومات الخطيرة، منها العلاقات الوثيقة التي جمعت ميليشيات "حزب الله" بالعصابات الإجرامية في معظم الدول اللاتينية، منها العلاقة مع منظمة "PPC" الإجرامية في البرازيل. وتضمَّن التعاون توفير السلاح، وتبييض الأموال لهذه المنظمة، وذلك في مقابل تأمين طرق المخدرات للميليشيا اللبنانية الإرهابية من داخل الشبكة. ولم يكتفِ القائمون على "مشروع كاسندرا" بما توصلوا إليه من معلومات، وتفكيكهم بعض العصابات والشبكات الإجرامية التابعة لـ"حزب الله"، بل سعوا إلى التوغل داخل تلك النشاطات والعصابات الإجرامية عبر توظيف عملاء سريين، تواصلوا مع بعض المشتبه بهم، وذلك بإيهامهم بأنهم أعضاء في تنظيم "الفارك" الكولومبي المتمرد، وألقوا لهم بالطُّعم، وهو رغبتهم في التعاون في مجالات غسل الأموال، وتجارة السلاح.
وتوصل الطرفان بعد عدد من اللقاءات إلى تزويد "حزب الله" هؤلاء العملاء السريين بالأسلحة والصواريخ من أماكن عدة، مثل: إيران، وروسيا، والصين، في مقابل غسل أموال الميليشيا اللبنانية. وقد تعدت قيمة تلك الصفقات ملايين الدولارات.
ومن بين الشخصيات الإجرامية المشبوهة التي كشفتها العملية الأمنية أيمن جمعة، بوصفه أبرز شخصية في شبكة تجارة الكوكايين التابعة لـ"حزب الله" في أمريكا اللاتينية، الذي أشرف على نقل مئات آلاف الأطنان من الكوكايين من كولومبيا إلى الولايات المتحدة، مرورًا بالمكسيك، وكذلك دوره في عمليات تهريب كبرى إلى إفريقيا، والشرق الأوسط، وأوروبا، إضافة إلى مشاركته في عمليات تبييض وغسل أموال الميليشيا اللبنانية.
ووفقًا للمسؤولين الأمريكيين فقد اضطلع "جمعة" بدور الرابط بين "حزب الله"، وعصابة "لوس زيتاس" المكسيكية الشهيرة، ودرَّت عليه عمليات تبييض الأموال، التي كانت تبلغ 200 مليون دولار شهريًّا، أرباحًا خيالية؛ فقد كان يتحصل على ما نسبته نحو 20% من تلك النشاطات الإجرامية، أي كانت تصل أرباحه السنوية إلى نحو نصف مليار دولار.
وكشفت العملية الأمنية كذلك عن أسماء أخرى تابعة للميليشيا اللبنانية الإرهابية، ولها صلات وثيقة بالنشاطات الإجرامية المشبوهة حول العالم، منها: رجل الأعمال أدهم طباجة، وعبدالله صفي الدين، الذي يرتبط بصلة قرابة بزعيم الميليشيا حسن نصر الله؛ إذ أشارت المعلومات إلى أنه ابن خالته.
وارتبط "صفي الدين" بعلاقات وثيقة بعدد من البنوك اللبنانية، وأسهم ذلك في توفير غطاء سري لتبييض ملايين الدولارات من أموال المخدرات لصالح "حزب الله"؛ وذلك نظير عمولات معتبرة تستقر في خزانة الميليشيا، وهو ما تم الكشف عنه في عام 2011 بالتزامن مع فضيحة البنك اللبناني الكندي.
وجاءت كلمة النهاية في "مشروع كاسندرا" السري في عام 2015 بعد أن ضيق الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما الخناق على المشروع، قبل أن يتم إجهاضه ووقفه؛ وذلك حتى لا يعوق استمراره في الاتفاق النووي الذي وُقّع مع إيران.
وكشف تحقيق لمجلة "بوليتيكو" الأمريكية آنذاك عن تغاضي إدارة "أوباما" عن تجارة ميليشيا "حزب الله" في المخدرات وغسل الأموال، مقابل الوصول لاتفاق مع إيران بشأن ملفها النووي.
وأشارت المجلة في تقريرها إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق، ومن أجل الوصول لاتفاق مع إيران حول ملفها النووي، تخلت عن عزمها لشن "حملة طموحة" لإنفاذ قانون يستهدف تهريب المخدرات من قِبل ميليشيا حزب الله التابع لإيران، بالرغم من أنها كانت ترسل "الكوكايين" إلى الولايات المتحدة نفسها.