أكد الخبير الاستراتيجي الدكتور عبدالعزيز بن صقر أن دول الخليج تبنت منهج الحياد الإيجابي في الصراعات الدولية، وهي سياسة متوافقة مع المطالب الشعبية في دول الخليج، لأنه بدون تحقيق الأمن والاستقرار والتوازن في العلاقة لا يمكن أن يستمر الازدهار والرخاء، مشيراً إلى أن هذه السياسة التي انتهجتها المملكة ودول الخليج جعلتها في موقع مصداقية كبيرة وأصبحت الدبلوماسية الخليجية محل تقدير عالمي.
وفي التفاصيل، قال الدكتور بن صقر لبرنامج (هنا الرياض) على قناة "الإخبارية" إن اجتماع المجلس الوزاري الـ 160 لمجلس التعاون لدول الخليج في الدوحة يعد اجتماعًا مهمًا جداً، لأنه يأتي في مرحلة ما زال التوتر قائمًا في المنطقة، بالرغم من أن هناك محاولات كبيرة وجهود مضنية قامت بها المملكة العربية السعودية مع دول الخليج الأخرى، وذلك لمحاولة الضغط الدولي للوصول إلى حل أولاً بإنهاء إطلاق النار المستمر من قبل "إسرائيل" في غزة وأيضاً وصول المساعدات الإنسانية والضغط للوصول إلى حل سلمي، كذلك الضغط من ناحية الاعتراف بدولة فلسطين كعضو دائم في الأمم المتحدة بالرغم من أن هناك 143 دولة ولكن ما زال هذا الأمر يتطلب موافقة خاصة في مجلس الأمن حتى يمر هذا الجانب.
وأضاف رئيس مركز الخليج للأبحاث إن استمرار الضغوط الخليجية بقيادة المملكة ومشاركة الدول الخليجية الأخرى وجهود قطر الحثيثة فيما تعلق بموضوع الرهائن ما زال مستمرًا في هذا الجانب، ولكن بشكل عام يظل النقطة الرئيسية المهمة في هذا اللقاء هو أن مفهوم الأمن في المنطقة بالرغم من أن هناك توافقًا على الرؤية الأساسية إلا أنه ما زال هناك حاجة لوجود الآليات المهمة في تطبيق هذه الرؤى.
وأردف أن القضية الأمنية والدفاعية تحتل الأولوية الأولى بسبب أن التهديدات ما زالت موجودة في شمال دول الخليج من العراق، حيث تأتي عبر ميليشيات الحشد الشعبي ومن الجنوب ما زالت تأتي من اليمن ومن البحر الأحمر ما زال هناك نوع من التهديدات، وأيضا في مياه الخليج العربي ما زال هناك نوع من التهديدات فيظل الملف الأمني يحتل الدرجة والمرتبة الأولى فيما يتعلق بأهمية وأولويات وزراء الخارجية في نقاش هذا اللقاء الـ 160 الذي تم في الدوحة.
وبين "بن صقر" أن دول الخليج أكدت على أن إعادة الإعمار التي استعدت على المساهمة فيه لن يتم إلا بعد الوصول إلى اتفاق واضح وشامل فيما يتعلق بمفهوم حل الدولتين ووجود ضمانات كافية وقوية دولية تسمح بعدم تكرار ما حدث مرة أخرى، فلن يكون هناك إعادة إعمار دون وجود ضمانات ودون وجود حل دائم وشامل وعادل للقضية الفلسطينية.
وزاد: مع الأسف تكررت من الجانب الإسرائيلي عدة مرات هذا الاعتداء الغاشم الذي يتم على العزل والأطفال والسيدات، الآن وصلنا إلى أكثر من 140 ألفًا ما بين قتيل وجريح مع الأسف والأحداث التي حدثت في اليومين الماضيين دليل على استمرار عنجهية السلطة الإسرائيلية واستخدامها المفرط للسلاح في قتل الأبرياء ولذلك لن يكون هناك إعادة إعمار حقيقية ما لم يتم الوصول إلى حل ضمن المقررات التي أشار إليها البيان الختامي وهو المبادر العربية والعودة إلى حدود الرابع من حزيران عام 1967 ودولة عاصمتها القدس الشرقية.
وأكد أن هذه المتطلبات لم يتم التراجع عنها بل بالعكس تم التأكيد عليها وكل ما بذل من جهود دولية سواء مع مجموعة أعضاء مجلس الأمن أو مع الدول الأخرى المؤثرة بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والصين ومجموعة من الدول وخلافه من الجولات المكوكية التي تمت لمختلف أنحاء العالم كان هدفها الأساسي هو إيقاظ المجتمع الدولي ومطالبته بالقيام بمهامه المطلوبة منه حتى تكون بشكل واضح وصريح حتى يروا الظلم، ما يحدث أن الولايات المتحدة ترى أن حماس يجب أن يجرموا ولكن بالمقابل في مناطق أخرى الجماعات المسلحة تقوم بعملها دون أن يوجه لها حقيقة هذه الاتهام وهذه المطالب.
وأوضح "بن صقر" أن دول الخليج تبنت سياسة مهمة جدا حقيقة وهي إبقاء علاقتها متوازنة وحيادية إلى حد ما، وهذا وجدناه في موقفها فيما يتعلق بالأزمة الروسية الأوكرانية، وجدناه أيضًا في موقفها في قضايا أخرى مهمة، هي بالمقابل تريد أن تحافظ على هذا التوازن وهذه الحيادية لا تريد استعداء لا الصين ولا روسيا، ولا تريد أن تفرط في علاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي.
واستطرد أن البعض لا يروق لهم مثل هذه السياسة، ولكن هي سياسة متوازنة وهي متوافقة مع المطالب الشعبية في دول الخليج ومطالب المواطنين لأنه بدون تحقيق الأمن والاستقرار والتوازن في العلاقة لا يمكن أن يستمر الازدهار والرخاء الذي تشهده دول الخليج، ولذلك هي استشعرت هذا الجانب فحافظت على علاقاتها الدولية.
وأضاف: نجد دعوة وزير خارجية اليمن ومشاركته في الاجتماعات هذا تأكيد على أن التهديد من اليمن ما زال مستمرًا وأن دول الخليج تقف مع الشرعية بشكل واضح وصريح، وتريد أن يكون هناك توافق بين الشعب اليمني، لكن أيضًا هي تريد أن تؤكد على القرارات التي تم التوافق عليها فيما يخص الشرعية وفيما يخص اليمن.
وزاد: شهدنا أيضاً دعوة وزير خارجية تركيا لحضور مؤتمر هذا الاجتماع، وهذه دعوة مهمة لأن تركيا غيرت من سلوكها السابق في التدخل في الشأن الداخلي العربي وبدأت تنهج نهجًا أفضل بكثير، وهي مهمة في إيجاد توازن في العلاقة مع إيران الحفاظ مع تركيا بعلاقة جيدة.
يقول "بن صقر" أعتقد أن العلاقة مع إيران تحسنت على المستوى الدبلوماسي، ولكنها لم تتحسن على المستوى الاستراتيجي، فلا زلنا نرى التهديدات تأتي من أذرع إيران الموجودة في المنطقة ومستمرة فكل يوم نسمع تهديدات من الحشد الشعبي بإطلاق صواريخ وإطلاق مسيرات، وأيضاً تهديدات من الجانب الحوثي الذي له علاقة خاصة مع إيران وتميز بأنه يستخدم الأسلحة الإيرانية وتهديداته للأمن البحر الأحمر.
واستطرد: أما بالنسبة لتركيا فقناعتي أنه من الجيد أن نحسن العلاقة مع تركيا بشكل كبير، لأن تركيا أولاً اقتصادياً علاقتها مع دول الخليج توازي 25 بليون دولار وهي قابلة للزيادة والنمو، وتركيا ممكن تكون بشكل كبير جداً منطقة انطلاق لصادرات الطاقة الخليجية، لأنه ممكن تستخدم خطوط الأنابيب الموجودة فيها وموقعها الجغرافي في المستقبل للوصول لزيادة توسيع العلاقة في الطاقة مع دول أوروبا عبر تركيا.
وأشار إلى أن ما تقوم به دول الخليج الآن بلعب دور مهم جدا دبلوماسي على مستوى الدول في العالم كبير هو محل تقدير مهم جدا، قائلاً: أنا استمعت إلى حديث لأحد المسؤولين الغربيين قال فيه نحن بأمس الحاجة إلى علاقة المملكة المتميزة مع روسيا في المساعدة في حل الخلاف الأوكراني الروسي، وهذا الشيء يؤكد للجميع أن الحياد الإيجابي والسياسة التي انتهجتها المملكة ودول الخليج في بقاء العلاقة علاقة متوازنة وعلاقة متميزة مع كافة الأطراف جعلها في موقع مصداقية كبيرة.
وأبان أن الجهود التي تبذلها قطر مع جميع الأطراف التي تتعلق بإطلاق سراح الرهائن هي جهود مضنية، لأن الطرفين أوكرانيا وروسيا هنالك صعوبة سواء في المكان وفي التواصل وفي السياسة، وفي المواقف الدولية ليس من السهولة بمكان، ولكن مع هذا خطوات إيجابية وتتم بشكل تدريجي.
واختتم أن مجلس التعاون أوجد ليبقى، وسوف يستمر بفضل القيادة الحكيمة الموجودة فيه وبفضل تمسك أبناء دول المجلس بمكتسبات لا يريدون التفريط فيها، ولذلك فأن هذا المجلس استمراريته وقوته من قوة قيادته وأبنائه الذين يتمسكون به.