يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضغوطًا قانونية غير مسبوقة تهدد مستقبله السياسي، وقد تلقي بظلالها على الحروب الدائرة في غزة ولبنان، في وقت حساس، حيث أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، متهمة إياهما بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال صراع غزة المستمر منذ 13 شهرًا.
وقرار المحكمة الجنائية الدولية الذي صدر الخميس الماضي كان بمثابة صدمة للنخبة السياسية الإسرائيلية، إذ يضع نتنياهو في موقف قانوني ودبلوماسي صعب، وقد أتى هذا التطور قبل أسبوعين فقط من موعد شهادته المنتظرة في محاكمة الفساد المحلية التي تلاحقه منذ سنوات، ويزيد هذا الموقف تعقيدًا، حيث إن إدانته في قضية الفساد قد تنهي مسيرته السياسية رسميًا، رغم إنكاره المستمر لجميع التهم الموجهة إليه.
على الرغم من أن قضية الفساد المحلية أثارت انقسامًا داخليًا في إسرائيل، إلا أن قرار المحكمة الجنائية الدولية دفع أطيافًا واسعة من السياسيين الإسرائيليين إلى الالتفاف حول نتنياهو، حيث اعتُبر القرار "معاديًا للسامية" من وجهة نظر العديد من الإسرائيليين، وفقاً لـ"رويترز".
وبينما يواجه نتنياهو هذه التحديات القانونية، تظهر آثارها المباشرة على الحروب الجارية في غزة ولبنان، إذ يرى محللون أن خطوة المحكمة الجنائية الدولية قد تعقد أي جهود للتوصل إلى وقف إطلاق النار مع "حزب الله" أو "حماس"، بل قد تدفع إسرائيل إلى تصعيد عملياتها العسكرية.
وفي المقابل، يرى بعض المحللين أن هذا التصعيد القانوني قد يمنح نتنياهو ومجلس الحرب الإسرائيلي شرعية داخلية لتكثيف الضربات العسكرية في غزة ولبنان، تحت ذريعة الدفاع عن النفس. وقال مايكل أورين، السفير الإسرائيلي السابق في الولايات المتحدة: "هناك شعور قوي في إسرائيل بأنهم إذا كانوا مدانين بالفعل، فلا حرج في التصعيد إلى أقصى حد".
وعلى الصعيد الداخلي، يعاني نتنياهو من ضغط محاكمة الفساد التي بدأت منذ عام 2020. والتهم الموجهة إليه تشمل الرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال، وهي قضايا أثرت على شعبيته رغم نجاحه في البقاء في السلطة لفترة طويلة.
وفي الشهر المقبل، من المقرر أن يدلي نتنياهو بشهادته بعد أن رفضت المحكمة طلبه الأخير بتأجيل الجلسة، حيث زعم أن انشغاله بإدارة الحرب حال دون استعداده للدفاع عن نفسه. وهذا التأجيل المتكرر أثار انتقادات واسعة، حيث يتهمه خصومه السياسيون بامتداد الصراع في غزة عمدًا لتأجيل يوم المثول أمام المحكمة.
وشهدت الثقة بنتنياهو تراجعًا كبيرًا منذ هجوم "حماس" على جنوب إسرائيل في أكتوبر 2023، الذي أسفر عن مقتل 1200 إسرائيلي وفاجأ حكومته أمنيًا. وفي الوقت نفسه، تسببت العمليات الإسرائيلية في غزة في خسائر فادحة، حيث قُتل أكثر من 44,000 شخص وشُرد السكان بالكامل تقريبًا.
ورغم هذه الانتقادات، رفض نتنياهو تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في إخفاقات الحكومة خلال الحرب، مفضلًا تشكيل لجنة تحقيق سياسية مكونة من أعضاء حكومته، وهو ما اعتبره النقاد محاولة للتهرب من المساءلة. صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية علقت على ذلك قائلة: "رفض نتنياهو تشكيل لجنة مستقلة دفع المحكمة الجنائية الدولية إلى التحرك".
ومع إصدار مذكرة التوقيف من المحكمة الجنائية الدولية، ينضم نتنياهو إلى قائمة قليلة من القادة الدوليين الذين واجهوا اتهامات مماثلة، مثل معمر القذافي وسلوبودان ميلوسيفيتش. وهذا التطور يعني أن نتنياهو قد يواجه خطر الاعتقال إذا سافر إلى أي من الدول الموقعة على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، التي تبلغ 124 دولة، بما فيها معظم دول أوروبا.
ورغم ذلك، يظل بإمكان نتنياهو زيارة الولايات المتحدة بأمان، حيث إنها ليست عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية. ويعتمد نتنياهو وحكومته على دعم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، الذي من المتوقع أن يتبنى نهجًا صارمًا ضد المحكمة الجنائية الدولية.
وتعمل الحكومة الإسرائيلية على حشد الدعم من حلفائها الدوليين للضغط من أجل تجاهل مذكرات التوقيف. ومع ذلك، يرى خبراء أن هذه التهم لن تختفي بسهولة، مما قد يؤدي إلى مزيد من عزلة إسرائيل الدولية، وقال يوفال شاني، الباحث في معهد الديمقراطية الإسرائيلي: "هذه الاتهامات تضيف طبقة جديدة من العزلة لإسرائيل، وقد تؤثر على علاقات نتنياهو مع زعماء العالم".
ومع تصاعد الضغوط القانونية والدولية، يبدو أن بنيامين نتنياهو يواجه أكبر تحديات مسيرته السياسية. بين محاكمته المحلية ومذكرات التوقيف الدولية، وبين الانتقادات الداخلية والتحديات الخارجية، يبقى السؤال: هل يستطيع نتنياهو النجاة من هذه العاصفة، أم أن هذه القضايا ستكتب نهاية حقبته السياسية الممتدة؟