تحذير أمريكي.. الكوليرا في السودان وصلت مرحلة الخطر

دقت السلطات الصحية في السودان ناقوس الخطر مع تفشي وباء الكوليرا بقوة، خاصة في المناطق التي تضررت من الأمطار الغزيرة والفيضانات.

13.000 إصابة و388 حالة وفاة خلال شهرين

وسجلت السلطات أكثر من 388 حالة وفاة و13.000 إصابة خلال الشهرين الماضيين. ورُصد المرض في 10 ولايات من أصل 18 ولاية في البلاد، بما في ذلك ولايات: (كسلا، القضارف، البحر الأحمر، الشمالية، نهر النيل). وهي مناطق وصلت إلى مرحلة الخطر وتحتاج تدخلًا عاجلًا.

وتفاقم وباء الكوليرا في السودان بشكل مقلق منذ منتصف عام 2024؛ إذ أعلنت وزارة الصحة الاتحادية رسميًّا عن تفشي المرض في 12 أغسطس 2024 إثر موجة جديدة من الحالات بدأت في 22 يوليو؛ مما أدى إلى تسجيل 8457 حالة و299 وفاة في ثماني ولايات سودانية حتى منتصف سبتمبر.

ويأتي هذا التفشي في وقت حرج؛ حيث يعاني السودان من أزمات متعددة تؤثر بشكل كبير على بنيته التحتية الصحية.

موسم الأمطار يفاقم الأزمة الصحية

وتزامن تفشي الكوليرا مع موسم الأمطار والفيضانات؛ مما زاد من صعوبة السيطرة على انتشار المرض.

ووفقًا لتصريحات شيلدون ييت، ممثل اليونيسف في السودان، فإن الوضع الحالي يمثل سباقًا مع الزمن لمنع تفاقم الأمراض المعدية التي قد تنتشر بسرعة نتيجة لهذه الظروف المناخية القاسية.

ومع وجود ما يقدر بنحو 15 مليون شخص في 14 ولاية معرضة لخطر الفيضانات، و3.1 ملايين شخص معرضين للإصابة بالكوليرا خلال الفترة من يوليو إلى ديسمبر 2024؛ فإن السودان يواجه أزمة صحية خطيرة.

ويعود انتشار الكوليرا إلى تدهور أوضاع البنية التحتية للمياه والصرف الصحي، التي زادتها الحرب المستمرة منذ عدة سنوات سوءًا.

انخفاض معدلات التطعيم

ومع انخفاض معدلات التطعيم الوطنية إلى 50% مقارنة بـ85% قبل الحرب، أصبحت الفئات الأكثر ضعفًا، وخاصة الأطفال دون سن الخامسة، عرضة لخطر الإصابة ليس فقط بالكوليرا؛ بل بأمراض وبائية أخرى مثل الحصبة والملاريا وحمى الضنك.

ويقدر أن 3.4 ملايين طفل دون سن الخامسة معرضون لخطر هذه الأمراض في ظل انخفاض مستويات التحصين.

انعدام الاستقرار الأمني والحرب

وتأتي هذه التحديات وسط انعدام الاستقرار الأمني والحرب التي أدت إلى تدمير أكثر من 70% من المستشفيات في مناطق النزاع.

هذا التدمير، إلى جانب عدم دفع أجور العاملين في القطاع الصحي لشهور، قلص قدرة السودان على الاستجابة بفعالية لهذه الأزمات الصحية، كما أن النزاعات أعاقت توصيل الإمدادات الحيوية مثل اللقاحات.

تحذير

سونالي كوردي، مساعدة مدير مكتب المساعدات الإنسانية التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، حذّرت من تدهور الأوضاع في السودان، وقالت لقناة "الحرة" إن "هناك 25 مليون شخص بدأوا يعانون من الجوع، وهناك فظائع تُرتكب كل يوم ويجب أن تتوقف. والكوليرا هي آخر ما نراه من تطورات هذا الصراع؛ إذ سجلنا 11 ألف حالة، لكن الأعداد الفعلية قد تكون أكبر بكثير".

وأوضحت "كوردي" أن مستوى الوفيات جراء الكوليرا "يفوق المعدل الطبيعي"، بينما يعاني السودان من انعدام الأمن الغذائي. وأشارت إلى أن النساء "يتحملن العبء الأكبر" من الصراع، ويتعرضن لـ"انتهاكات مروعة".

وأشارت "كوردي" إلى أن الولايات المتحدة قدمت مساعدات إنسانية للسودان بقيمة 1.6 مليار دولار، في عام 2023؛ ولكن هناك حاجة ملحة لمزيد من التمويل والموارد. وقالت: "نحتاج إلى السماح بتنقل عمال الإغاثة للوصول إلى جميع الأشخاص، خاصة الأطفال، لتوفير الغذاء والدواء والمأوى".

وأشارت "كوردي" إلى أن الكوارث الطبيعية، مثل الفيضانات، تعوق جهود الإغاثة، خاصة في دارفور، بالإضافة إلى العقبات التي يضعها الإنسان مثل البيروقراطية والتأشيرات التي تعرقل دخول فِرَق الإغاثة.

وأكدت "كوردي" أن أفضل سبيل لمنع انتشار المرض في السودان يتمثل في توفير مياه نظيفة وبنية تحتية صحية في المخيمات، بالإضافة إلى توفير الطعام والرعاية الصحية والتطعيمات؛ حيث يستمر انتشار المجاعة وتفشي الأمراض في المخيمات المكتظة.

ودعت المسؤولة الأمريكية الجهات الفاعلة في السودان إلى رفع هذه العراقيل فورًا؛ مؤكدة أن غالبية هذه القيود من صنع الإنسان ويمكن إزالتها.

حملة تطعيم ضد الكوليرا في كسلا

وفي هذا السياق، أطلقت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) بالتعاون مع وزارة الصحة السودانية ومنظمة الصحة العالمية حملة تطعيم ضد الكوليرا في كسلا.

والجولة الثانية من هذه الحملة انطلقت في سبتمبر 2024 وتستمر لمدة خمسة أيام، وتم تسليم 404.000 جرعة من لقاح الكوليرا عن طريق الفم للسودان.

وتشمل الحملة العديد من الأنشطة الوقائية الأخرى، مثل توزيع أقراص معالجة المياه المنزلية، وإنشاء مراكز الإماهة الفموية لضمان حصول المصابين على العلاج المناسب.

وبالإضافة إلى جهود التحصين، تعمل اليونيسف على رفع الوعي في المجتمعات المحلية حول طرق الوقاية من الكوليرا، عبر حملات إعلامية وتوعوية تستهدف السكان الأكثر عرضة للإصابة.

وحتى الآن، تم دعم أكثر من 1.9 مليون شخص من خلال كلورة مصادر المياه في الولايات المتضررة.

تأثير الفيضانات على انتشار المرض

وأدت الأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت السودان إلى تفاقم الوضع الصحي؛ حيث تساعد المياه الملوثة على انتشار الكوليرا بسرعة أكبر.

وبالإضافة إلى ذلك، تشكل ظروف النزاع المستمر تحديًا كبيرًا لتوصيل الإمدادات الطبية والمساعدات الإنسانية إلى المناطق الأكثر تضررًا؛ مما يزيد من تعقيد الجهود المبذولة لاحتواء انتشار الكوليرا.

ويتوقع الخبراء أن يستمر السودان في مواجهة مخاطر تفشي الكوليرا والأمراض الوبائية الأخرى ما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة لتحسين الأنظمة الصحية والمرافق الأساسية.

السودان بحاجة إلى المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية

ويشير "شيلدون ييت" إلى ضرورة الاستثمار في أنظمة الصحة والمياه والصرف الصحي لمواجهة هذه الأزمات، خاصة مع التوقعات بأن الفيضانات ستؤدي إلى انتشار أكبر للكوليرا بين الأطفال والأسر الضعيفة.

ويعرض الوضع الغذائي المتدهور الأطفال أيضًا لخطر أكبر للإصابة بأمراض معدية مثل الكوليرا.

وفي ظل النزاعات المستمرة وانهيار البنية التحتية، فإن تحسين الأوضاع الصحية والغذائية في السودان يتطلب تعاونًا دوليًّا واسع النطاق، وفق خبراء في الرعاية الصحية.

وفي ظل هذه الظروف الصعبة، تقول منظمات دولية إن السودان يحتاج إلى جهود منسقة من المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية للسيطرة على تفشي الكوليرا والأمراض الوبائية الأخرى.

ومع توقع استمرار الأزمات البيئية والإنسانية؛ فإن الاستثمار في البنية التحتية الصحية وفي حملات التطعيم يُعَد خطوة حاسمة لحماية الأطفال والأسر من خطر هذه الأمراض القاتلة.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org