كُتب عليهم أن يعيشوا مأساة الحرب في ربيع أعمارهم، ولا يعرفون بالضبط ما يدور حولهم؛ فقد وجدوا منازلهم تهدم، وساحات لعبهم تقصف، ومدارسهم تنهار، وأهلهم وأقاربهم يموتون، وأصدقاءهم يُدفنون.. هذا هو حال أطفال غزة.
معاناة يعيشها هؤلاء الأطفال ما بين جوع، وعطش، وبرد قارس، وأمراض، وتهديدات متواصلة بالموت أو العجز والإصابة؛ فطائرات العدو تحلق فوق رؤوسهم جالبة الموت كل دقيقة لمن يصادف مروره تحتها، أو يقف في طريقها.
وتخبرنا الأرقام المفزعة بأنه يُقتل طفل كل 15 دقيقة من بين كل 100 طفل يعيش في غزة، ونحو 11.500 طفل لقوا ربهم من جراء العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة؛ إذ تبلغ نسبة الأطفال القتلى 43% من نسبة أعداد الوفيات الناجمة عن الحرب في غزة، فيما هناك ما يقرب من 9 آلاف طفل مصاب بإصابات جسيمة.
وتقول مديرة برنامج فلسطين في المنظمة الدولية للمعاقين، دانيلا زيزي: "لقد أصيب أكثر من 9000 طفل منذ بدء الأعمال العدائية، وفي حال لم يتم علاج الإصابة بشكل مناسب ومستمر فإن خطر الإصابة بالإعاقة الدائمة يكون مرتفعًا جدًّا".
ويذكر أشرف القدرة، المتحدث باسم وزارة الصحة في قطاع غزة، أن "الكثير من الإصابات تعتبر معقدة طبيًّا، وقد تؤدي إلى بتر فيما بعد؛ لذلك نقرر الإعاقة بعد استكمال كل التدخلات العلاجية والطبية الممكنة، وهذا الأمر يحتاج إلى وقت، ولكن الأعداد ربما ستكون كبيرة".
وأضاف: "تبلغ نسبة الجرحى الكلية في قطاع غزة 67 ألف جريح، منهم 7000 جريح وضعهم حرج وخطير، ومنهم ما نسبته 42% من الأطفال، أي ما يقارب 3000 طفل بحاجة إلى الخروج بصورة عاجلة للعلاج بالخارج".
وبحسب منظمة "أنقذوا الأطفال" الخيرية، ومقرها بريطانيا، فإن أكثر من 10 أطفال في المتوسط يفقدون إحدى ساقيهم أو كلتيهما كل يوم في غزة منذ 7 أكتوبر، في حين تتم العديد من عمليات البتر دون تخدير.
وقال جيسون لي، المدير الإقليمي لـ "أنقذوا الأطفال" في الأراضي الفلسطينية: "إن معاناة الأطفال في هذا الصراع لا يمكن تصورها، بل إنها غير ضرورية، ويمكن تجنبها بالكامل. كما أن قتل الأطفال وتشويههم أمر مدان باعتباره جريمة خطيرة، ويجب محاسبة مرتكبيها".
وسط الصراع، وفي هذا الوقت العصيب، وبالرغم مما يحيط هؤلاء الأطفال من مآسٍ ومعاناة لا نهائية، فإنهم ما زالوا يتمسكون بالأمل، ويحاولون التغلب على آلامهم وأحزانهم، ومواجهة الموت الذي يحيق بهم من كل جانب باللعب، وممارسة طفولتهم الغائبة وسط دخان البارود، وأنقاض المنازل والمباني.
ففي هذا المقطع الذي بثه الصحفي الفلسطيني حسن إصليح يحاول هؤلاء الأطفال تسلية أنفسهم بألعاب بسيطة، فيما نشاهد في الخلفية منازلهم المهدمة، والسيارات المدمرة، إلا أن ذلك لم يمنعهم من التسرية عن أنفسهم، ومحاولة عيش حياة طبيعية، على الرغم من اختفاء مقومات ومظاهر الحياة.
وفي لقطات وصور أخرى نجد تجمعًا لعشرات من الأطفال النازحين في مدينة رفح حول أرجوحة بسيطة بانتظار دورهم للعب، ومحاولة نسيان حاضرهم البائس.
ربما هدمت هذه الحرب الظالمة المنازل والبيوت، وقتلت الآلاف من سكان غزة الأبرياء، إلا أنها لم تقتل إرادة هؤلاء الأطفال، ولم تكسر أملهم في أن ينعموا بغد أفضل.