

"سيد قطب"..أبو التكفير في الفكر الإسلامي الحديث، يعتبر الممول الأيديولوجي لأفكار العثمانيين الجدد الذين يقبضون على السلطة الحاكمة في تركيا منذ العام 2002 وحتى اللحظة الراهنة.
ولد قطب في قرية موشا بمحافظة أسيوط عام 1906، وعمل في شبابه بالنقد الأدبي وكتابة الشعر، كما انضم إلى حزب الوفد في تلك الفترة الباكرة من حياته، قبل أن يقرر الابتعاد عنه.
مثلت رحلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية في العام 1948 انقلاباً فكرياً شاملاً في مساره، فبعد عودته من هناك في العام 1950، انضم إلى الإخوان المسلمين وأصبح مديرًا لتحرير صحيفتها الناطقة باسمها، وبعد ثورة يوليو من العام 1952، دخل قطب في صدام حاد مع السلطة الجديدة في مصر، واعتقل في العام 1954 بتهمة الاشتراك في محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر.
داخل السجن، أخذت أفكار سيد قطب المنعطف الأخطر، ومن خلال مؤلفه الأشهر والأكثر تأثيراً، "معالم في الطريق"، وضع قطب المفاهيم الثلاثة التي شكلت كل الجماعات التكفيرية المعاصرة.
كانت أول تلك المفاهيم، هي جاهلية المجتمع، وتقول بغرق العالم كله في الجاهلية بسبب إفلاسه القيمي والأخلاقي، وثانيها هو التكفير، والذي يقول بكفر المسلمين كلهم ما داموا لا يحكمون الشريعة الإسلامية، وثالث مفهوم هو الدعوة إلى الحاكمية، أي الاستناد في حكم الدول المسلمة إلى الشريعة لا النظريات الغربية مثل الديمقراطية، أو الليبرالية، أو الاشتراكية، والتي وصفها قطب جميعًا بالكافرة.
ووفق تقرير نشره اليوم موقع عثمانلي المهتم بالشأن التركي: "فبعد إعدام قطب في المعتقل عام 1966، انتقلت أفكاره سريعًا إلى أوساط التيارات الإسلامية داخل العالم العربي وخارجه، وكانت حركة مللي غوروش التي أسسها نجم الدين أربكان في تركيا عام 1969، على رأس تلك التيارات، حيث ترجمت أعمال سيد قطب الداعية إلى التكفير الصريح من العربية إلى التركية، واعتبرت المرجع الأساس الذي استند إليه أربكان في تكفير المجتمع التركي، ومهاجمة الرأسمالية والاشتراكية".
واستغل "أربكان" تحالفه مع الجيش التركي في أعقاب انقلاب عام 1980، وقام بإذاعة الأفكار القطبية بين الفئات الأكثر تهميشًا في الريف بالأناضول، وكذلك في حواشي المدن، واعتبرت بلدية سلطان بيلي على مشارف إسطنبول المكان الذي تجسد فيه سيد قطب على أكمل ما يكون، حتى أن أربكان اعتبرها "دار هجرة"، واعتبر كل ما خارجها "دار حرب" يحل لأتباعه ما فيه.
وعلى الرغم من أن رجب طيب أردوغان ظل متمسكاً بالأفكار القطبية حتى صعوده إلى الحكم في أنقرة عام 2002، فإن ما تلا ذلك الصعود كان في حقيقته تخلياً طويلاً عن تلك الأفكار، وانتهاج البراجماتية بشكل مثالي.
"أردوغان" أبقى على علاقات بلاده الأمنية والاستراتيجية والاقتصادية بإسرائيل، بل ودفعها إلى الأمام، كما بقي الحليف الأكثر إخلاصًا في الشرق الأوسط للولايات المتحدة الأمريكية، ولم يتوقف عن السعي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
ذلك التجميد للأفكار القطبية استمر من قبل الرئيس التركي الحالي حتى اشتعال الربيع العربي في العام 2011، إذ عمد أردوغان إلى استدعاء قطب، دعم الجماعات التكفيرية المسلحة التي رفعت السلاح في وجه حكومة دمشق، وعلى الأخص جبهة النصرة، وتنظيم الدولة الإسلامية.
كما أنه في أعقاب مسرحية الانقلاب في تركيا، يوليو 2016، أعاد "أردوغان" نفس الاستدعاء ولكن بأهداف داخلية، حيث استخدم التكفير سلاحًا لإرهاب خصومه من كافة الأطياف المعارضة.
وإمعانًا في الترهيب، نظمت جامعة ماردين في أكتوبر 2016، أي بعد شهور قليلة من الانقلاب، "الندوة العالمية لاستشهاد سيد قطب" بمناسبة مرور 50 عامًا على إعدامه، وقد أكد المحاضرون الأتراك فيها على دور سيد قطب في تشكيل "الأسس الفكرية والبنيوية لأبناء المشروع الإسلامي التركي". والمساهمة في"صناعة مشاريع سياسية من بينها المشروع السياسي المعاصر في تركيا".
ياسين أقطاي، مستشار أردوغان قال في محاضرة له ضمن فعاليات الندوة بعنوان "سيد قطب بين المحلية والعالمية": "فكر سيد قطب ليس ملكاً للمصريين وحدهم، إنه ميراث عالمي يجب الاستفادة منه، سيد قطب الذي كانت كتبه ممنوعة قبل 50 عامًا في تركيا، ها هو اليوم يتم القيام بندوة عالمية حوله بإشراف من الدولة التركية نفسها".