بعد عجزها عن اختراق النسيج المتماسك للمجتمع السعودي بآلتها الإعلامية الضخمة ممثلة في قنواتها الفضائية الناطقة باللغة العربية كقنَاتي "العالم" و"الكوثر" وغيرهما من وسائل الإعلام الموجّه القميء، لجأت إيران إلى وضع إستراتيجية جديدة تقوم على استغلال منصّات التواصل الاجتماعي في استهداف السعودية وبقية بلدان العالم العربي، من خلال بثّ وجهات نظر معادية عبر حسابات مزيّفة، تتخفى وراء أسماء توحي بأنها سعودية.
حياد المصدر
تلك الإستراتيجية الإيرانية المشبوهة ليست محض افتراءٍ أو مجرد فرضية تفتقر إلى الإثباتات، كما أنه لا علاقة للسعودية بفضحها إلى العلن، قطعاً للطريق أمام أيّ مزاعم إيرانية قد تسند إلى الرياض أيّ دور فيها، فقد جاء الكشف عن هذه الإستراتيجية من قِبل معهد أكسفورد للإنترنت؛ التابع لجامعة أكسفورد البريطانية، وهي جهة محايدة ليست لها علاقة بالسعودية أو بالعالم العربي، وليست محل شك على الإطلاق، وبعيدة تماماً عن ممارسة السياسة، وجهودها مكرّسة بالكامل لنشر التعليم والبحث العلمي، وهي أقدم جامعة بريطانية ومن أقدم الجامعات الأوروبية، إذ أُنشئت في القرن الحادي عشر؛ أي قبل ألف عام تقريباً، وتاريخها العريق يشكل أحد مصادر الثقة التي تحظى بها الجامعة في العالم.
أما عن الكشف عن تلك الإستراتيجية الإيرانية المشبوهة، فقد جاء من خلال دراسة منهجية قام بها ثلاثة باحثين تابعين لمعهد أكسفورد للإنترنت ضمن نشاطهم العلمي في مجال تخصّصهم، وهذا ما يضاعف من مصداقية المعلومات التي كشفتها الدراسة التي نشرت الأربعاء الماضي، باعتبارها دليلاً علمياً يثبت تدخل إيران في الشؤون الداخلية لدول المنطقة.
الحسابات المشبوهة
وبالأدلة المدعومة بالبيانات الرسمية الصادرة عن الشركات المؤسسة لمواقع التواصل الاجتماعي، استعرضت الدراسة عديداً من البراهين التي تكشف عن مكونات تلك الإستراتيجية الإيرانية، منها إلغاء موقع "تويتر" في شهر أغسطس العام الماضي، 770 حساباً مرتبطة بإيران وتهاجم السعودية.
وحول نشاط هذه الحسابات المزيّفة وصفتها، أفادت الدراسة بأنها نشرت مليوناً ومئة واثنين وعشرين ألفاً وتسعمائة وستة وثلاثين تغريدة (1.122.936) منذ إنشاء أول حساب عام 2009 حتى إنشاء آخر حساب في 2018 قبل إلغاء "تويتر" لها.
ومن المعلومات التي كشفتها الدراسة حول نشاط الحسابات أيضاً أن عدد المتابعين لهذه الحسابات بلغ ثمانمائة واثنين وستين ألفاً وثلاثة (862003)، فيما بلغ عدد المتابعين لأشهر هذه الحسابات، الذي سُمي بـ "البايو" واحداً وأربعين ألفاً وأربعمائة وتسعة وثمانين (41489)، وإمعاناً في التضليل ادّعى هذا الحساب أن موقعه السعودية، وكذلك زعمت الحسابات العشرة الأكثر نشاطاً في تلك المجموعة المنسقة التي تديرها إيران، التي انتحلت بحسب الدراسة صفة وسائل إعلام سعودية، وصفة حقوقية مثل الحساب السابع الذي سُمي بـ freesaudiawomen@ لبثّ افتراءات ضدّ السعودية حول قضايا المرأة.
الأنشطة المضللة
وكشف الدراسة كذلك، أن تلك الحسابات المشبوهة كانت تتابع ثمانمائة وخمسة آلاف وخمسمائة وخمسين (805550) حساباً داخل المملكة وفي دول عربية أخرى، وأنها أنشأت 23 ألف هاشتاق أشهرها هاشتاق السعودية (#السعودية) لنشر تغريدات مسمومة مرتبطة بأحداث عربية لطرح وجهة نظر إيران من هذه الأحداث، ومحاولة إيجاد رأي عام مؤيد لوجهة نظرها.
ومن الأدلة التي استعرضتها الدراسة، إزالة شركة فيسبوك في أغسطس 2018، (الشهر نفسه الذي أزال فيه "تويتر" الحسابات الإيرانية) 652 حساباً على "فيسبوك" و"إنستجرام" تُدار من إيران، لتورطها في بثّ عمليات دعاية عقائدية منسقة للنظام الإيراني واستهدفت هذه العمليات مواطني الدول العربية والولايات المتحدة وبريطانيا ودول في أمريكا اللاتينية، إضافة إلى إزالة شركة فيسبوك 62 حساباً جديداً من "فيسبوك" و"إنستجرام" في أكتوبر 2018، كانت تستهدف أشخاصاً في الولايات المتحدة وتتقمص دور مواطنين أمريكيين ينتقدون السعودية وإسرائيل.
وفي الوقت الذي تثبت فيه الأدلة السابقة التورط الإيراني في التدخل في شؤون السعودية والدول العربية عبر هذه الإستراتيجية الرقمية، فإن ما يلفت الانتباه في استنتاجات الدراسة ما خلصت إليه من أنه رغم اشتداد الهجوم الإيراني ضد السعودية، فإن شبكتها السرية عبر مواقع التواصل غير كافية لتحقيق نتائج يُعتد بها، كما أن تجاوب المتابعين العرب لهذه الحسابات كان ضعيفاً للغاية، فرغم أن تلك الحسابات المشبوهة على "تويتر" أصدرت 1122936 تغريدة، فإنها لم تحظَ سوى 337379 إعجاباً فقط، جميعها صادرة من المتعاطفين مع إيران من عناصر الميليشيات التي تدعمها في العراق وسوريا ولبنان واليمن.