في الوقت الذي يبدو فيه العالم منشغلًا بحروب اقتصادية وبالمخاطر المتنامية لسوء استخدام التقنيات الثورية، قد يبدو أن العالم -نجح إلى حد ما- في تقليص المخاطر الإرهابية التقليدية التي تأتي على صور تفجيرات كتلك التي كانت تقوم بها تنظيمات مثل تنظيم داعش الإرهابي؛ غير أن الواقع الذي تكشف عنه الدراسات المتخصصة، يؤكد أن هذه التنظيمات والجماعات إنما عَمِلت -وتعمل وستواصل- على إعادة تقديم نفسها بطريقة أكثر ضررًا وأسوأ خطرًا، ومن خلال أدوات أبرزها ما يُعرف بالإرهاب السيبراني الذي يعده الخبراء عمود مستقبل الإرهاب.
لقد أصبح من المعتاد قراءة العديد من الأخبار ورؤية الكثير من المقاطع عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، تؤكد استخدام الجماعات الإرهابية مثل داعش والقاعدة لأسلحة متقدمة مثل استخدام الطائرات المسيرة "درونز" كبديل ناجع عن العبوات الناسفة التقليدية خلال معاركها ضد جيوش نظامية؛ وذلك كما فعل داعش في العام 2016، ومن آخر وأبرز الأمثلة أيضًا ما تقوم به مليشيا الحوثي الإرهابية.
الإرهاب السيبراني
وفي دراسة لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة بعنوان "استخدام الخيال العلمي في بناء مؤشر جديد لتوقع الإرهاب" يقول الباحث والكاتب د. عمار علي حسن: إن "المخاطر متزايدة والتوقعات متشائمة حول مستقبل الإرهاب والجماعات المنتمية له، ولعل من أخطر الأدوات بين يديه الآن ما يُعرف بأدوات الإرهاب السيبراني"، لقد بات من الضروري أن نُعمل خيالنا العلمي في صياغة مؤشر علمي لقياسه، ووضع خطط عملية لمواجهته".
ومن جانب آخر لا يقل أهمية عما يتصل بمستقبل مصالح الإرهاب والجماعات الإسلامية، ما يراه بعض الباحثين مثل الكاتب المتخصص في شؤون الجماعات والحركات يوسف الديني عير، في مقال له نشرته الزميلة "الشرق الأوسط"، ومن أبرز ما ورد فيه أن المجتمع الدولي بمنظماته الكبرى يعاني من إشكالية كبرى في قراءة حالة العنف المنظم، ويخطئ في توصيفه على أنه نزاع سياسي أو حرب أهلية.
حقبة جديدة للإرهاب
وحول المزيد من المخاطر والتهديدات عن مستقبل الإرهاب والجماعات المنتمية له؛ وتحديدًا ما يُعرف بأدوات الإرهاب السيبراني؛ يؤكد الكاتب المتخصص عبدالستار عبدالرحمن الصحفي، في تقرير نشره موقع التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب في 23/ 2/ 2020م؛ حيث يؤكد أن التطورات التقنية التي شهدتها وسائل الاتصال الحديثة أدت إلى دخول الإرهاب حقبةً جديدة، فلم يعد يقتصر على نمطه التقليدي الذي يمكن الوصول إليه واستهدافه؛ ولكنه بات عابرًا للحدود والأوطان على نحو يصعب السيطرة عليه بغلق الحدود أو تأمينها، ومشيرًا إلى أن خطط الإرهاب تغيرت، وأصبح الإرهاب الإلكتروني (السيبراني) واقعًا يستهدف فيه الإرهابيون البنى التحتية للدول، وأنظمة معلوماتها، وقواعدها العسكرية، بمميزاته التي تغري التنظيمات الإرهابية باستخدام الإرهاب الإلكتروني.
مخاطر لا محدودة
وفي كل الأحوال فإن قائمة المخاطر والمستهدفات كثيرة، وهي بشكل عام خطر على السلم والأمن ومروعة جدًّا، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما ورد في ورقة بعنوان "مستقبل الإرهاب الإلكتروني" ألقيت في "الندوة الدولية السنوية الحادية عشرة لقضايا العدالة الجنائية"؛ حيث قدّم الباحث باري كولين قائمةً مرعبة بأعمال الإرهاب الإلكتروني المحتملة التي تهدد مستقبل البشرية أبرزها:
- الوصول عن بُعد إلى أنظمة التحكم في مصانع الحبوب، وتغيير مستويات مكملات الحديد، للإضرار بصحة المستهلكين.
- إجراء تعديلات عن بُعد في معالج حليب الأطفال، للإضرار بصحة الأطفال الرضع.
- تعطيل المصارف والمعاملات المالية الدولية والبورصات، لإفقاد النظام الاقتصادي الثقة فيه.
- تغيير مكونات صناعة الأدوية عن بُعد لدى شركات الأدوية.
- تغيير الضغط في خطوط الغاز، وأحمال شبكات الكهرباء؛ مما يوقع انفجارات وحرائق مروعة.
- مهاجمة أنظمة التحكم في الحركة الجوية، وجعل طائرتين مدنيتين تتصادمان، عن طريق الولوج إلى أجهزة الاستشعار في قمرة القيادة بالطائرة، وهذا ممكن أيضًا في خطوط السكك الحديدية.
الخلافة الإلكترونية
ووفقًا لمركز بروكسل للدراسات الدولية؛ فإنه بعد هزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي في العراق وسوريا عام 2019، وسقوط "الخلافة المزعومة" التي أعلنها التنظيم، ظهر شكل جديد من الإرهاب تحت اسم "الخلافة الإلكترونية الموحدة" التي تحاول العثور على جذور في كل مكان في العالم؛ بما في ذلك أوروبا؛ لافتًا إلى أن المتطرفين يعملون حاليًا على تكييف استراتيجية جديدة للإرهاب السيبراني؛ بهدف الهيمنة على المشهد الأمني الدولي في المستقبل المنظور.
إلى أين يتجه الإرهاب؟
حاليًا وفي محاولة الإجابة على سؤال: إلى أين يتجه الإرهاب العالمي؟ تجيب دراسة دقيقة نُشرت على (موقع تريندز للاستشارات والبحوث) في يناير 2021م كتبها الباحثان د.ستيفن بلاكويل، ود.كريستيان ألكساندر تحت عنوان (نظرة على اتجاهات الإرهاب العالمي) خَلُصا إلى نتائج في غاية الأهمية ومن أبرزها:
- سجلت أحدث نسخة من تقرير مؤشر الإرهاب العالمي (2020) مزيدًا من التراجع في الحوادث الإرهابية وفقًا للبيانات المجمعة من جميع أنحاء العالم.
- رغم أن تأثيرات الإرهاب قد تراجعت عمومًا؛ فإنها تظل مشكلة عالمية ملحة ومدمرة؛ فالإرهاب يزدهر في البيئات المضطربة؛ حيث حدث أكثر من 96% من الوفيات الناجمة عن الإرهاب عام 2019 في البلدان المتأثرة بالنزاعات الداخلية والحروب الأهلية، بدليل أن الدول العشر التي تتعرض لأشد آثار الإرهاب منغمسة في نزاع عسكري واحد على الأقل.
- أحد العوامل الرئيسية وراء انتشار تهديد داعش ولا مركزيته هو تزايد استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي لنشر الدعاية والتحريض. حوّلت تنظيم داعش من مجموعة متمردة تسيطر على أراضٍ حقيقية إلى "خلافة افتراضية".
- يرى البعض أن الوباء ربما وفّر فرصًا للإرهابيين ليعيدوا تجميع صفوفهم ويوسعوا نطاقهم الإقليمي؛ لأن الحكومات منصرفة إلى معالجة أزمة الصحة العامة بدلًا من التركيز على إجراءات مكافحة الإرهاب.
نظرة مستقبلية
ويرى الباحثان وفق "نظرة مستقبلية"، أن من الواضح أن حوادث الإرهاب آخذة في التراجع في جميع أنحاء العالم؛ غير أن التهديد بدأ يتطور وربما يتطور أكثر في اتجاهات غير محددة نتيجة لوباء كوفيد-19.. ومن النتائج الأكثر تشجيعًا أن النشاط الإرهابي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد انخفض بأكثر من 80% خلال السنوات الأربع الأخيرة.