في الوقت الذي تحاول فيه الأمم المتحدة التوسط لتوفير ممر آمن لشحن الحبوب من أوكرانيا، وتهدئة المخاوف من أزمة غذاء عالمية، تتهادى مئات الألغام على سطح مياه البحر الأسود، وتُمثِّل كابوسًا مزعجًا لكل مَن يفكر في الحل، الذي سيستغرق شهورًا من العمل في حال الاتفاق عليه.
وللبحر الأسود أهمية بالغة لشحن الحبوب والزيوت ومنتجات النفط، وتتشارك في مياهه بلغاريا ورومانيا وجورجيا وتركيا، إضافة إلى أوكرانيا وروسيا.
وبحسب تقديرات مسؤولين في الحكومة الأوكرانية، فإن هناك 20 مليون طن من الحبوب يستحيل شحنها من الدولة، التي كانت رابع أكبر مُصدِّر في العالم قبل الحملة العسكرية الروسية في 24 فبراير، وفقًا لـ"سكاي نيوز عربية".
وتتهم كييف وزعماء غربيون موسكو باستخدام الإمدادات الغذائية كسلاح في الحرب، عبر محاصرة الموانئ الأوكرانية. وتقول روسيا إنها تريد رفع العقوبات الغربية عنها في إطار أي اتفاق يسمح بتدفق الصادرات.
لكن حتى في حالة التوصل لاتفاق، أيًّا كان، وأصبح بالإمكان إعادة فتح الموانئ الأوكرانية، فإن خطر الألغام البحرية التي زرعتها أوكرانيا وروسيا سيعرقل أعمال الشحن على الأرجح أشهرًا مقبلة، بحسب مسؤولين في قطاع الشحن البحري.
وقال متحدث باسم المنظمة البحرية الدولية، وهي وكالة الشحن التابعة للأمم المتحدة وإحدى الهيئات العديدة التي تعمل على إنشاء ممر بحري لإمدادات الحبوب: "وُضعت الألغام البحرية في مداخل الموانئ، فيما أغلقت المخارج بقوارب ورافعات غارقة".
وأضاف: "سيستغرق الأمر أشهرًا عدة لإزالة الألغام البحرية في مناطق الموانئ بالكامل"، وفق ما ذكرت وكالة رويترز.
وقال مجلس الحبوب العالمي: إن من المتوقع أن يكون الإنتاج العالمي من الحبوب دون مستوى الطلب في موسم 2022-2023.
وسيؤدي غياب الشحنات الأوكرانية إلى زيادة الضغط على الإمدادات المتاحة، ومن المرجح أن يكون ذلك عاملاً محركًا لزيادة أسعار المواد الغذائية الأساسية، كالخبز والمكرونة والمقرمشات، وزيادة التضخم في سوق الغذاء، في وقت وصلت فيه معدلات الجوع في العالم إلى مستويات غير مسبوقة.
ويقول مسؤولون غربيون في قطاع الشحن البحري: إن هناك غموضًا حول أنواع الألغام التي زُرعت في هذه المرحلة من الحرب.
وقال مسؤول بوزارة الخارجية الأوكرانية في مارس الماضي لوكالة رويترز: "إن روسيا زرعت نحو 372 لغمًا بحريًّا من نوع (آر-421-75)، وهي ألغام غير مستخدمة أو مسجلة لدى البحرية الأوكرانية حاليًا، بعد أن استولى عليها الجيش الروسي أثناء ضمه للقرم في عام 2014".
وقالت وزارة الدفاع الروسية في بيان في الشهر نفسه: "إن أوكرانيا قامت بزرع ألغام بموانئ أوديسا وأوتشاكوف وتشورنومورسك ويوجني، بنحو 400 لغم قديم من الألغام التي تقبع تحت سطح الماء بعمق بضعة أمتار".
وقال جهاز المخابرات الروسي "إف.إس.بي" في مارس الماضي: "إن الألغام انجرفت إلى البحر الأسود بعد انقطاعها عن كابلات التوصيل قرب الموانئ الأوكرانية"، مضيفًا بأن القوات الأوكرانية هي التي زرعت الألغام.
من جانبها، قالت أوكرانيا في ذلك الوقت إن تحذير (إف.إس.بي) "زائف"، وإنها "ليس لديها معلومات عن انجراف أي ألغام في البحر".
وقال المسؤول بوزارة الخارجية الأوكرانية اليوم: "وضعنا ألغامًا بحرية في إطار حقنا بالدفاع عن النفس، بموجب نص المادة الـ51 من ميثاق الأمم المتحدة".
ولم يرد مسؤولون روس في موسكو وفي السفارة الروسية بلندن على الفور على طلبات للتعليق اليوم.
وقالت وزارة الدفاع الروسية في 26 مايو إنه "تم تطهير ميناء ماريوبول من الألغام"، وحثت الحكومات الأجنبية على "الضغط على مُلاك السفن في ميناء ماريوبول لنقل سفنهم إلى مراسيها الدائمة".
وما زال هناك نحو 84 سفينة أجنبية عالقة في الموانئ الأوكرانية، يحمل عدد كبير منها شحنات حبوب، فيما أغلقت الشواطئ في أوديسا بعلامات تحذيرية من خطر الألغام. وانجرفت بعض هذه الذخائر بعيدًا حتى تركيا ورومانيا.
وقال جاي بلاتن، الأمين العام لغرفة الشحن الدولية، التي تعمل أيضًا على فتح ممرات الملاحة البحرية: "دخول السفن وخروجها غير آمن في الوقت الراهن. ولن يتغير هذا الوضع إلا بعد إزالة الألغام".
ولقي اثنان من البحارة حتفهما بالفعل، وأُصيبت 7 سفن تجارية بمقذوفات، وغرقت اثنتان منها قرب السواحل الأوكرانية، في الوقت الذي وضع فيه سوق التأمين في لندن المنطقة بأكملها على قائمة المخاطر العالية؛ وهو ما يعني ارتفاع تكاليف الشحن.
وقال نيل روبرتس، رئيس إدارة البحرية والطيران في رابطة (إل.إم.إيه)، التي تمثل مصالح جميع شركات التأمين في سوق "لويدز أوف لندن" للتأمين: "سيحتاج المتعهدون من جانبهم إلى نوع من (التطمينات) بأنه تمت معالجة المسألة بدرجة معينة، بواسطة كاسحات ألغام على درجة من الكفاءة".
وسيكون أي جهد لإزالة الألغام هو الأكبر من نوعه منذ الحرب العراقية-الإيرانية في الثمانينيات.
وفي هذا الصدد يقول جيري نورثوود، القبطان السابق الذي كان يقود سفنًا حربية في الأسطول الملكي البريطاني: "ستكون هناك حاجة منذ البداية لمعلومات المخابرات حول أنواع الألغام المزروعة، وأماكن وجودها".
وأضاف نورثوود، وهو مستشار بشركة الأمن البحري "ماست": "سيحتاج صائدو الألغام إلى غواصات، يتم تشغيلها عن بُعد؛ لتحديد مواقع الألغام وتدميرها".
ومن جانبه، قال دنكان بوتس، وهو نائب أميرال سابق في الأسطول الملكي البريطاني، إنه "على الرغم من أن البحر الأسود ليس له وضع خاص فيما يتعلق بحركات المد والجزر، ولا يتعرض لتيارات قوية، فإن الألغام العائمة قادرة على التحرك فيه لمسافات طويلة على مدى فترة من الزمن".
وأضاف بوتس الذي يعمل الآن مستشارًا لحكومات غربية: "ما يحدث في أوكرانيا هو أن هناك -على ما يبدو- عددًا من الألغام العائمة التي تشكل تهديدًا كبيرًا لهم ولأعدائهم، ولا يمكن التكهن بمستقبلها".
وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، الأربعاء: "إن مسؤولين كبارًا في الأمم المتحدة أجروا محادثات مع أنقرة وبروكسل وكييف وموسكو وواشنطن في الأيام العشرة الماضية حول توفير ممر آمن للحبوب".
وأوضح مسؤول في الاتحاد الأوروبي أن أي حديث عما سيفعله الاتحاد على وجه التحديد للمساعدة في إزالة الألغام هو "مجرد افتراضات نظرية"، مضيفًا بأنه "يتعين على روسيا أن تبدأ في إزالة الألغام التي زرعتها".
واستطرد: "ما لم يتحقق هذا فلن تكون هناك أي ممرات بحرية. لن نضغط على أوكرانيا لتسليم دفاعاتها. أي اتفاق يجب أن يكون مقبولاً لأوكرانيا".
وتقول مصادر بحرية إن هناك "ضرورة للتوصل لاتفاق أيضًا حول الوحدات البحرية التي يمكن أن تنفذ هذه الأعمال؛ لتكون مقبولة للشركات وشركات التأمين نظرًا لانعدام الثقة في أي جهد روسي".