حتى رأس "زيلينسكي".. "لعنة المرتزقة" خط دم يصل الفراعنة بروسيا وأمريكا!

يبدأ من مصر القديمة وينتهي بأوكرانيا.. "ذراع قذرة ونصيب أسد وشركات دولية"
حتى رأس "زيلينسكي".. "لعنة المرتزقة" خط دم يصل الفراعنة بروسيا وأمريكا!

سلطت الحرب الأوكرانية الروسية، الضوء على ورقة المرتزقة الدموية، التي يتبادل الطرفان التلويح بها في معركتهما الإعلامية، لتذكر العالم مجددًا بتاريخ طويل من الدم على يد راغبي القتال مقابل المال.

ويُعد الارتزاق من الحروب ثاني أقدم مهنة عبر العصور، وهو جزء لا يتجزأ من تاريخها، وبحسب القانون الدولي، فالمرتزق يكون دافعه الأساسي من المشاركة في الأعمال المسلحة هو تحقيق مغنم شخصي، ويجند خصيصًا، محليًّا أو في الخارج؛ للاشتراك في عمل يهدف للإطاحة بحكومة ما، أو تقويض النظام الدستوري لدولة ما بطريقة أخرى، أو تقويض السلامة الإقليمية لدولة ما، ولا يكون من رعايا الدولة التي يوجه ضدها هذا العمل، ولا من المقيمين فيها، وليس من أفراد القوات المسلحة للدولة التي يُنَفّذ هذا العمل في إقليمها.

الانتصار بالمال

وتتضمن الروايات التاريخية، أن أعمال المرتزقة تعود لآلاف السنين؛ إذ استخدمهم جيش مصر القديمة "الفراعنة" بقيادة رمسيس الثاني في حروبه مع الحيثيين (قبائل من هضبة الأناضول)، حيث حقق انتصارات كبيرة مستندًا إليهم؛ مما شجعه على استجلاب المزيد من بلاد الإغريق.

وفي العصور الوسطى، زاد استخدام المرتزقة، وجرى تحويلهم لقوات تجارية منظمة، وخير مثال لذلك الشركة البيضاء الإيطالية التي جنّدت مجموعات من المقاتلين الذين نالوا نصيب الأسد من غنائم الحروب في إيطاليا في القرن الرابع عشر.

وأصبحت هذه المؤسسة معروفة كواحدة من أكبر جيوش المرتزقة النخبوية في إيطاليا، واشتهرت قواتها التي تُعد خليطًا من المغامرين الإنجليز والألمان والمجريين، بمهاراتهم في استخدام القوس الطويل والحربة، وقد زرعوا الخوف بين خصومهم بهجماتهم المفاجئة السريعة والاستعداد لخوض المعارك مهما كان الطقس قاسيًا أو الظلمة حالكة.

الفيلق الأجنبي

أخذت مهنة المرتزق، منحى آخر في عهد الملك الفرنسي لويس فيليب في 9 مارس 1831؛ إذ يقول المؤرخ العسكري الأمريكي دوجلاس بورش، مؤلف كتاب "الفيلق الأجنبي الفرنسي: تاريخ كامل للمقاتلين الأسطوريين وآخرين"، أن الفيلق الأجنبي تأسس في 9 مارس 1831، كوحدة عسكرية لدعم حرب الجزائر، التي غزتها فرنسا في العام السابق.

وأضاف أن الفيلق استوعب العديد من اللاجئين الذين احتشدوا في فرنسا وكذلك الجنود العاطلين عن العمل.

ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية في عام 1939، انضم للفيلق الكثير من المتطوعين الأجانب، من يهود أوروبا الوسطى والجمهوريين الإسبان، وتم توجيههم للمعارك في ثلاثة أفواج، وشارك الفيلق على مدار سنوات الحرب في عدة معارك، ولعل أشهرها اختراق مونتي كاسينو في عام 1944، والقتال الضاري بالألزاس في شتاء 1944- 1945.

الذراع القذرة

طرفا الصراع الرئيسييْن الأكثر قوة، اليوم، في حرب شرق أوروبا، هما روسيا والولايات المتحدة. وكل منهما لديه ذراعه عبر مؤسستين للمرتزقة؛ الأولى شركة بلاك ووتر الأمريكية، والثانية مجموعات "فاغنر" التي بات لها وجود مؤثر في السنوات الماضية.

وذكرت مجلة "التايم" الأمريكية، خطة أمريكية لإنشاء جيش من المرتزقة في أوكرانيا، في مقال نشرته في يوليو 2021، وقالت إن رئيس شركة "بلاك ووتر" إريك برنس، يخطط لتشكيل جيش من المرتزقة في أوكرانيا، يضم قدامى المحاربين في أوكرانيا عبر شركة عسكرية خاصة، يمكنها أن تجلب 10 مليارات دولار، وذكرت المجلة أن مشاريع "برنس" من شأنها أن تمنحه دورًا محوريًّا في الصناعة العسكرية الأوكرانية وصراعها المستمر مع روسيا.

أما صحيفة "التايمز" البريطانية؛ فذكرت أن موسكو نقلت نحو 400 من المرتزقة الروس من مجموعات "فاغنر"، من منطقة غرب إفريقيا جوًّا للأراضي الأوكرانية؛ لاغتيال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ووزرائه.

وذكرت الصحيفة، أن مقاتلي "فاغنر"، تلقوا أوامر من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باغتيال نظيره الأوكراني، و23 مسؤولًا أوكرانيًّا؛ مما يسهل لموسكو بسط سيطرتها على "كييف".

ومن شأن التحرك الروسي أن يشعل حربًا عالمية صغيرة بين عدة جنسيات في أوكرانيا؛ إذ ستكون المواجهة بين جيشي المرتزقة الروسي والأوكراني، وستكون حتمية، في ظل العديد من أذرع المال السخية التي ستُدفع بلا توقف لتحقيق مآربها في الحرب التي يبدو أنه لا رجعة فيها.

مواقع نشاط "فاغنر"

وإذا كانت "بلاك ووتر" غنيةً عن التعريف؛ فإن مجموعات "فاغنر" تبدو كمجموعة غامضة؛ فخلال السنوات الماضية ظهرت في عدة دول، وكانت قادرة على قلب الموازين في النزاعات.

وظهرت للمرة الأولى قبل 7 سنوات في أوكرانيا إلى جانب الانفصاليين، وضمنت لهم النصر، ثم شاركت في الحرب السورية، ودعمت الرئيس السوري بشار الأسد ضد الثورة،

ثم ظهرت في النزاع الدائر بالأراضي الليبية، ودعمت المشير خليفة حفتر، أما في جمهورية إفريقيا الوسطى؛ فقد دعمت الرئيس وستان آرشانج توادير، ثم بدأت تلعب دورًا في مالي؛ وهو ما أثار حفيظة فرنسا التي لها قوات هناك.

ورغم التأكيدات الغربية المتعددة أن مجموعة "فاغنر" تتبع الدولة الروسية بشكل غير رسمي؛ إلا أن الرئيس الروسي "بوتين" نفى صلة موسكو بهذه المجموعة، أو حتى تقديم أي دعم لها.

حملة تجنيد عالمية

كل طرف في "الحرب الروسية- الأوكرانية" لا يتوانى عن تعزيز جيشه من المرتزقة، لتكبيد الآخر المزيد من الخسائر؛ إذ أعلن "زيلينسكي" مع بداية اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، عن تدشين "الفيلق الدولي" الذي يستقبل يوميًّا مئات المتطوعين، الذين تنوعت انتماءاتهم من اليابان وحتى البرازيل.

وفي الجانب الآخر، خرج "بوتين"، معلنًا موافقته على انضمام 16 ألف متطوع إلى قوات في أوكرانيا، أغلبهم -حسب الرواية الروسية- من الشرق الأوسط، ثم ظهرت بعد ذلك مقاطع فيديو لجنود سوريين يتأهبون للانتقال إلى أوكرانيا للمشاركة في جبهات القتال، وارتفع الرقم -حسب التقديرات- ليصل إلى 40 ألفًا.

إلى أين

دائمًا ما كان المرتزقة ورقة رابحة، قتلةٌ يُهدون النصر للقادة ثم يأخذون نقودهم ويرحلون دون أن يطلبوا المزيد، والأهم أنهم عناصر لا قيمة لها؛ فموت المرتزقة لا يؤثر على معنويات الدول المتحاربة، ولا يمثل خسائر في صفوف أبنائها.

ولكن على الجانب الآخر، فإن المرتزقة لا يهتمون بالقوانين الإنسانية في الحروب، ولا تأخذهم شفقة بأعدائهم، ولا يخشون الملاحقة عند ارتكاب جرائم حرب؛ فهم مقاتلون مجهولون حسب السجلات الرسمية، ولعل الأسوأ الآن أن التقنية جعلت تجنيد هؤلاء المقاتلين سهلًا، وانتقالهم من أي مكان في العالم إلى جبهات القتال أكثر سهولة؛ مما ينذر في المستقبل بحروب دموية لا تكلف الدول التي تشنها شيئًا إلا ملايين الدولارات، وعشرات جرائم الحرب.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org