
رغم كل الوعود ومحاولات طمأنة الوسطاء بأنها ستعمل على إضفاء الهدوء في العشر الأواخر من رمضان، وقدوم وزير الأمن الداخلي "عومر بار ليف"، والمفتش العام للشرطة "كوبي شبتاي"، وقادة حرس الحدود والجيش وجهاز الأمن العام "الشاباك"، إلى البلدة القديمة من أجل "متابعة الجهود لخفض التوتر"؛ عادت قوات شرطة الاحتلال الإسرائيلي لاقتحام باحات الأقصى لمجرد رفع العلم الفلسطيني فوق قبة الصخرة وانطلاق عشرات المصلين في هتافات الاحتجاج والتكبير.
واستخدمت القوات الإسرائيلية، أمس -لأول مرة- الطائرات المسيرة لإطلاق الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والإسفنجي. وأوقعت 57 إصابة في صفوف المصلين، إحداها حرجة وثلاث منها صعبة، والعديد منها تسببت في جروح للنساء والأطفال.
وأكد الشيخ عمر الكسواني، مدير المسجد الأقصى، أن قوات الاحتلال اتخذت خطوات عديدة لعرقلة وصول المصلين، ومع ذلك بلغ عددهم، أمس، حوالى 150 ألف مُصَلٍّ، وقال: "كنا نتوقع أن يصل العدد إلى أكثر من 300 ألف مُصَلٍّ، كما يحصل عادة في صلاة الجمعة الثالثة من شهر رمضان في المسجد الأقصى؛ لكن القيود والحواجز حالت دون ذلك، ومع هذا فنحن نقدر عاليًا وصول هذا العدد، رغم التشديدات والقيود التي فُرضت على الحواجز المقامة بمداخل القدس وفي شوارع المدينة والبطش بالمصلين في الأسبوع الفائت بشكل يومي، وقال: "جموع المصلين الغفيرة وصلت من مختلف أنحاء الضفة الغربية والقدس المحتلة وأراضي 48".
وكانت الاقتحامات قد بدأت في ساعات الفجر؛ بغرض تفريق مسيرات أقيمت في الأقصى بعد صلاة الفجر، ثم أطلقت قنابل الغاز قبيل صلاة الجمعة وبعد الصلاة، وكان المصلون يهتفون ضد مشاريع التهويد والتهديد للأقصى، ورفع بعض الشبان أعلام فلسطين وآخرون أعلام حركة حماس، ونشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية تصريحات لعدد من المسؤولين ونواب المعارضة يتهمون الحكومة بالتساهل مع الفلسطينيين، "الذين يتظاهرون ويطلقون شعارات وهتافات معادية لإسرائيل، رغم أن الحكومة منعت دخول اليهود إلى الباحات حتى نهاية رمضان"؛ فراح جنود الاحتلال يلاحقون المصلين المتظاهرين، وقال مصدر في الشرطة: إن قواته تعاملت بضبط نفس شديد صارم وحاولت التقليل من الاحتكاكات؛ لكن المتطرفين من أنصار حماس وغيرها، أصروا على تحويل الصلوات إلى مظاهرات.
ورد الفلسطينيون بالقول إن "الشرطة الإسرائيلية مصرة على فرض سيادة الاحتلال على أقدس أقداس المسلمين في القدس. فهي ليست حريصة على أماكن العبادة بل تتصرف بعربدة لتثبت أنها صاحبة السيادة على الأقصى"، كما قال محمد الحمص، الذي أصيب برصاصة مطاطية، وأضاف: "كانوا يصوبون بنادقهم نحو حراس المسجد من دائرة الأوقاف، ولم يكترث قناصتهم بوجود نساء وأطفال ومسنين". وقال النائب السابق عن القائمة المشتركة "يوسف جبارين": إن "الحكومة الإسرائيلية تتصرف كعصابة تستعرض العضلات وليس كحكومة تعرف كيف تدير الأزمات".
وفي رام الله، أدانت وزارة الخارجية والمغتربين بأشد العبارات اقتحام قوات الاحتلال المسجد الأقصى المبارك، لليوم الثامن على التوالي، وقمع قوات الاحتلال المتواصل للمصلين والمعتكفين في المسجد. وحملت الوزارة، أمس الجمعة، الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة والمباشرة عن التصعيد الإسرائيلي المتعمد ضد المسجد الأقصى المبارك، وما يسببه من مخاطر على ساحة الصراع والمنطقة برمتها، وأشارت إلى أن أركان الحكومة الإسرائيلية يعتقدون أن ما يصرحون به من أكاذيب هو استخفاف بعقول القادة والمسؤولين الدوليين والرأي العام العالمي؛ بينما تصرفاتهم وممارساتهم العدوانية ضد الأقصى والمصلين أكثر بلاغة وصدقًا بالتعبير عن نواياهم ومخططاتهم الاستعمارية لتهويد القدس ومقدساتها.
ووفق "الشرق الأوسط"، ذكر الهلال الأحمر في القدس، أن "عشرات الإصابات بحالات اختناق، جراء إطلاق قنابل الغاز المسيلة للدموع على ساحات المسجد الأقصى، وتتعامل طواقمنا مع الإصابات في عياداتها الميدانية". وأورد الهلال الأحمر لاحقًا، أن 26 إصابة بالاختناق بينها، لتسعة أطفال جراء إطلاق الاحتلال قنابل الغاز في ساحات الأقصى، وقد ارتفعت حصيلة الإصابات منذ الصباح إلى 57 إصابة بالأقصى.
وكانت عدة بلدات فلسطينية في الضفة الغربية قد شهدت مسيرات أسبوعية سلمية، وهي أيضًا لم تسلم من بطش الاحتلال، فقد أصيب 4 شبان بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط والعشرات بالاختناق، بينهم أطفال، خلال قمع جيش الاحتلال لمسيرة كفر قدوم الأسبوعية الناهضة للاستيطان والتي دعت إليها حركة فتح نصرة للمسجد الأقصى، وتنديدًا بجرائم الاحتلال ضد الفلسطينيين في مختلف محافظات الوطن.
وأفاد الهلال الأحمر الفلسطيني بإصابة عشرات المواطنين بنيران الاحتلال خلال مواجهات في محافظة نابلس، وقال إن 37 مواطنًا أصيبوا في بيت دجن اختناقًا؛ فيما تم تسجيل إصابة جراء السقوط، و7 إصابات بالغاز المسيل للدموع في جبل صبيح ببلدة بيتا، وقال إنه تم نقل رجل (45 عامًا) مصاب بالاختناق جراء استنشاق الغاز إلى المستشفى الوطني من بيت دجن. واعتقلت قوات الاحتلال أمس، 9 شبان من بلدات: (العيسوية، وجبل المكبر، وسلوان) في القدس المحتلة. وخلال عمليات الاعتقال اشتبك الشبان مع قوات الاحتلال في عدة مواقع، ولم يعلن عن إصابات.