كعادتها تتأرجح مؤشرات الانتخابات البرلمانية الأمريكية، المقرر إقامتها في نوفمبر 2022، بين كفتيّ الديمقراطيين والجمهوريين متأثرة بعدة قضايا داخلية وعالمية، لكن الأبرز من بينها المحادثات النووية مع إيران، والتي يرفضها غالبية عظمى من الناخبين في الولايات المتحدة.
ولعل آخر المؤشرات التي أظهرت تقدماً كبيراً للجمهوريين الذين يرون في سياسات الرئيس الأمريكي جو بايدن، وسيلة تسهل لطهران الوصول لحلمها النووي بدلا من إبعادها عنه ويستخدمونها كورة انتخابية رابحة في الدعاية ضد منافسيهم التقليديين الديمقراطيين.
تقدم الجمهوريين
وللمرة الأولى منذ 8 سنوات، حقق الجمهوريون تقدما كبيرا في استطلاع أجرته الإذاعة الأمريكية بالتعاون مع شبكة "بي بي إس" ومركز ماريست للأبحاث الميدانية؛ إذ أظهر أن لديهم ميزة نسبية في حجم شعبيتهم قبل انتخابات التجديد النصفي.
كما أظهر الاستطلاع نفسه أن منافسات التجديد النصفي للكونجرس ستكون صعبة على الرئيس الديمقراطي جو بايدن وحزبه ومؤيديه من الديمقراطيين.
وشارك في الاستطلاع أكثر من 1162 شخصاً، وتبين أن 47% منهم يرجحون التصويت لصالح الجمهوريين في مناطقهم الانتخابية، بينما هناك 44% أيدوا الحزب الديمقراطي.
تمرد ديمقراطي
ليس الجمهوريين فقط، من يعارض الاتفاقية، فهناك تمرد ديمقراطي ضد سياسات "بايدن"، وفي الوقت الذي يعارض فيه الجمهوريون المحادثات الجديدة بشكل موحد، يعرب أيضا العديد من الديمقراطيين عن تحفظاتهم بشأن المفاوضات الحالية.
وعلّق موقع "بوليتيكو" السياسي على قضية المحادثات النووية مع إيران، بوصفها ورقة انتخابية تؤثر بقوة في مجريات الأحداث، قائلاً إنه بالرغم من شكوك بعض الديمقراطيين -لا سيما أولئك الذين سيُعاد انتخابهم هذا العام- فمن غير المرجح أن يتمكن الكونجرس من عرقلة أي اتفاقية جديدة مع إيران.
ويتطلب قرار الرفض، بحسب الموقع، 60 صوتًا في مجلس الشيوخ؛ وحتى لو تمت إزالة هذه العقبة، فلن يتمكن معارضو الصفقة الجديدة من الوصول إلى عتبة الثلثين المطلوبة لتجاوز الفيتو الرئاسي.
ويحتاج معارضو الاتفاقية الجديدة إلى تجنيد ما لا يقل عن 10 ديمقراطيين لدعم قرار الرفض، وهو احتمال غير مرجح، فيما يشير الموقع إلى أن محادثات إيران التي تم إحياؤها، تمثل أولوية قصوى لـ"بايدن"، ووصفها بأنها حساسة للغاية في الوقت الحالي، حيث يحذر المسؤولون الأمريكيون من أن طهران أقرب من أي وقت مضى لإنتاج ما يكفي من المواد لصنع قنبلة نووية.
رئيس العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بوب مينينديز، وهو ديمقراطي من نيوجيرسي، وأحد أربعة أعضاء ديمقراطيين في الغرفة العليا عارضوا اتفاق 2015، فيما يقول إن هناك مجموعة مختلفة من الأعضاء اليوم عما كانت عليه في 2015 سنة الإعلان عن الاتفاقية.
ومضى "مينينديز" في شرحه قائلاً: "من الواضح أن اليوم، بعد سبع سنوات، يختلف عن عام 2015، هناك الكثير من التحديات تحيق بالصفقة النووية".
ويتشكك عدد من حلفاء "بايدن"، في جدوى الاتفاق النووي؛ إذ يتحفظون على الغموض الحالي، الذي يكتنف الاتفاق الجديد. وهذا التحفظ الديمقراطي، أظهرته مواقف عدد من المشرعين داخل الحزب الديمقراطي، الذين ينتقدون جهود الرئيس لإحياء الصفقة، كاشفين عن انقسامات داخل الحزب.
وفي أبريل الماضي، عقد خمسة نواب ديمقراطيين مؤتمرا صحفيا للتعليق على الاتفاق النووي، فيما وقع 13 عضوا آخر في مجلس النواب على بيان أبدوا فيه عن هواجسهم تجاه إحياء الاتفاق النووي، بحسب ما ذكرته "رويترز".
تعهد بتعطيل الصفقة
وتعهد العشرات من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين بعرقلة محاولات الرئيس بايدن بإعادة واشنطن إلى الاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع إيران، مما يؤكد كيف تهدد الانقسامات الحزبية جدوى الصفقة، بحسب صحيفة "ذا هل" الأمريكية.
وكتب السناتور تيد كروز في تكساس، وانضم إليه 31 عضوًا جمهوريًا آخر في مجلس الشيوخ، رسالة إلى الرئيس الأمريكي فبراير الماضي، تطالب إدارة بايدن بتقديم الاتفاقات التي تم التوصل إليها مع إيران بشأن برنامجها النووي إلى الكونجرس.
ونقلت الصحيفة عن أعضاء بالكونجرس قولهم إن أي اتفاق يتعلق ببرنامج إيران النووي الذي لا يمثل معاهدة مصدق عليها من قبل مجلس الشيوخ يخضع للنقض، ومن المحتمل أن يتم رفضه بالفعل في الأيام الأولى للإدارة الرئاسية المقبلة يناير 2025.
ويرى مؤيدو انسحاب واشنطن من الاتفاق في عام 2018، ضرورة استمرار حملة الضغط من العقوبات حتى تُجبر إيران على التخلي عن طموحاتها النووية وغيرها من السلوك العدواني، مثل انتشار الصواريخ ودعم الوكلاء الإرهابيين والهجمات، لكن إدارة "بايدن" وأنصارها يقولون إن انسحاب الرئيس السابق دونالد ترامب شجع إيران على كسر قيود خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) وجعلها أكثر استفزازًا مع تكديسها للمواد النووية الرئيسية، والتي بدأت في عام 2019.
وفي النهاية فإن كل المعطيات تفيد أن معركة سياسية أمريكية على المستوى الداخلي تتأجج نارها عبر الاتفاق النووي مع إيران، والذي إذ استمر المضي في تنفيذه قد نشهد خسارة مدوية للديمقراطيين الذي سلموا أمرهم للرئيس جو بايدن وسياساته غير المنضبطة.