ضمن المبادرات النوعية لتطوير قيادات القطاع البلدي في المملكة العربية السعودية، أنشأت جامعة الملك سعود بالتعاون مع وزارة الشؤون البلدية والقروية برنامج الماجستير التنفيذي في السياسات البلدية وتنمية المدن.
ويهدف البرنامج بالدرجة الأولى إلى تطوير ممارسات تخطيط وإدارة المدن، ورفع كفاءة استغلال الموارد البلدية، وتطوير آليات صنع السياسات العمرانية، وتقييم البرامج بشكل يتواكب مع برامج التحول البلدي التي تركز على تطوير القطاع تماشياً مع الأهداف الإستراتيجية لرؤية المملكة 2030.
ولتسليط الضوء حول هذا الموضوع، حاورت "سبق" الدكتور أنس بن مفرح المغيري المدير التنفيذي للبرنامج، وأستاذ تخطيط وإدارة المدن الكبرى في كلية العمارة والتخطيط بجامعة الملك سعود للحديث عن تفاصيل البرنامج.
واستهل حديثه بالإشارة إلى أن رؤية المملكة 2030، تشكل تحولاً جذرياً في مفهوم التنمية وممارسات إدارتها في كافة قطاعات الدولة، وبشكل خاص فإن القطاع البلدي يعد أحد أضخم القطاعات الخدمية؛ بإشرافه على تنمية المدن وتقديم الخدمات البلدية من خلال 17 أمانة و285 بلدية. تشرف تلك الأجهزة البلدية على تخطيط المدن وإدارة الموارد البلدية، وتقديم الخدمات وتجهيز البنية التحتية والمرافق اللازمة لتنمية اقتصاد المدن؛ لذلك فإن تطوير العمل البلدي يعتمد على تطوير ممارسات هذا القطاع التنموي الضخم، والاهتمام بتدريب القيادات على الأساليب المتقدمة المطبقة في أنجح المدن العالمية لرفع مستوى جودة الحياة، وتحقيق كفاءة تشغيل الخدمات، وتوفير البنية التحتية لقطاعات اقتصادية تخصصية منافسة على المستويين الإقليمي والعالمي.
أما عن فكرة البرنامج، فيضيف المغيري: بدأت من خلال تخصصي في مجال تخطيط وإدارة المدن الكبرى واطلاعي على الممارسات العالمية المتقدمة في إدارة وتخطيط المدن وتحديات التنمية التي تواجهها مدن المملكة، حيث قمت بكتابة مقترح البرنامج، وتطويره من خلال النقاش مع بعض الزملاء بالقسم الذين شكلوا فريق عمل أسهم في تأسيس البرنامج فيما بعد، ومن ثم وضعت المقترح في قالب مهني يتضمن شرح فكرة البرنامج وأهدافه، ومدى حاجة وزارة الشؤون البلدية والقروية لهذا البرنامج لتطوير الممارسات وتحقيق أهداف التحول البلدي.
وقد تم تضمين بعض الممارسات العالمية والبرامج المشابهة من الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة، وأثر تلك البرامج على تنمية المدن وتطوير قياداتها، وهنا تجدر الإشارة إلى أن أولى برامج التعليم التنفيذي كانت في مجال تنمية وإدارة المدن في جامعتي هارفارد ونيويورك. حيث استثمرت حكومة الولايات المتحدة في تدريب ممارسي تخطيط وإدارة المدن تماشياً مع إعادة هيكلة قطاع الخدمات البلدية وإدارات المدن بعد فترة الركود الاقتصادي العظيم the great depression في الثلاثينات من القرن الماضي.
وأضاف: من خلال عملي الاستشاري، تواصلت مع أحد قيادات الوزارة، ومن ثم قمت بإرسال مقترح البرنامج عن طريق البريد الإلكتروني، فتم تحويل المقترح بشكل عاجل إلى مدير إدارة الموارد البشرية بالوزارة الذي تواصل معي بشكل مباشر لتحديد موعد اجتماع لمناقشة مقترح البرنامج، وطُلب مني فيما بعد إعداد عرض مرئي عن البرنامج لتقديمه لمعالي وزير الشؤون البلدية والقروية. وبعد أسبوعين تلقيت اتصالاً من الوزارة يفيد بحماس المسؤولين للفكرة ورغبة الوزارة في تبني البرنامج. و في الحقيقة، تدعم إدارة الجامعة تبني هذا النوع من المشاريع لمساعدة الوزارات في التحول نحو "رؤية المملكة 2030 وهذا ما أكد عليه مدير الجامعة أثناء توقيع اتفاقية البرنامج مع الوزارة.
وعن آلية تطوير البرنامج وكم استغرق من الوقت حتى توقيع الاتفاقية بين الجامعة والوزارة أوضح الدكتور أنس بن مفرح المغيري المدير التنفيذي للبرنامج: بدأ العمل بشكل جاد في تطوير البرنامج بعد التأكد من رغبة الجامعة والوزارة في إنشاء البرنامج، وبعد ذلك تم عقد مجموعة من الاجتماعات مع الموارد البشرية لمناقشة الاحتياجات المعرفية والتدريبية لقيادات وزارة الشؤون البلدية والقروية، كما قمت بإعداد دراسة عن مخرجات برامج الماجستير التنفيذية العالمية في مجال تنمية المدن، وذلك في جامعات مرموقة مثل كلية لندن للاقتصاد في المملكة المتحدة، وجامعات هارفارد ونيويورك وجنوب كاليفورنيا في الولايات المتحدة، وجامعتي تورنتو وبريتش كولومبيا في كندا.
وتمت دراسة الفئات المستهدفة من الممارسين، وتفاوت المدد الزمنية للبرامج، والممارسات والمحاور المعرفية التي تركز عليها، وبيئة التعليم والتدريب، وأخيراً دراسة تأثير البرامج على ممارسي تخطيط المدن وقادة القطاع البلدي في تلك الدول، وبعد تحليل محتوى ومخرجات البرامج العالمية ودراسة احتياجات قيادات وزارة الشؤون البلدية والقروية ومراجعة أهداف التحول البلدي تم وضع التصميم الأولي لبرنامج الماجستير التنفيذي في السياسات البلدية وتنمية المدن.
وبخصوص البرنامج ومحاوره المعرفية أوضح بأنه يستهدف البرنامج تطوير الممارسات المحلية، والجوانب المعرفية لدى قادة القطاع البلدي من خلال ثلاثة محاور رئيسية، هي: محور صنع السياسات العمرانية وتقييم البرامج، ومحور الحوكمة البلدية، ومحور التخطيط والتنمية الحضرية. بالنسبة للمحور الأول فيتضمن التعرف على آليات صنع وتقييم السياسات العمرانية، والتعرف على تحليل المشاكل التنموية، ووضع السيناريوهات والحلول العملية، بالإضافة إلى تقييم كفاءة وفعالية البرامج البلدية واتخاذ القرارات المناسبة من خلال التنبؤ بتأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
أما المحور الثاني فيركز على دراسة التنظيمات المؤسسية للمدن وتأثير ذلك على كفاءة تشغيلها وتقديم الخدمات البلدية، كما يتطرق إلى النماذج الناجحة في صنع الشراكة بين الإدارات والأجهزة الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني باستخدام المنصات الإلكترونية التفاعلية، ويتم التركيز أيضاً على استثمار الموارد البلدية وتحقيق نموذج تشغيلي يعود بالفائدة الاقتصادية وينشط استثمارات المدن، ويغطي المحور عوامل نجاح البلديات في العمل مع إمارات المناطق والمحافظات وتفعيل صنع السياسات التوافقية في المجالس البلدية.
وفي المحور الثالث، يتم استعراض الممارسات الناجحة في التخطيط المكاني للمدن وربط ذلك بفهم تأثير التخطيط على توزيع الأنشطة وزيادة التنافسية الاقتصادية للمدن، ويركز المحور أيضاً على الأساليب الحديثة في توزيع استعمالات الأراضي والتكامل مع شبكة النقل داخل المدن بما يقلل من مشاكل الازدحام المروري وتبعاته السلبية على الاقتصاد وجودة الحياة في المدن، وبشكل لا يقل أهمية عن العوامل السابقة، يشرح المحور الآليات التخطيطية التي تتبناها المدن المتقدمة لإيجاد منظومة الابتكار بين مؤسسات القطاع الخاص والجامعات ومراكز البحث والتطوير، وأثر ذلك على تشكيل أنشطة اقتصادية تخصصية في المدن.
وأشار المدير التنفيذي للبرنامج الدكتور أنس بن مفرح المغيري: يتميز البرنامج بأنه موجه للتنفيذيين والقيادات في القطاع البلدي في المملكة؛ لذلك حرص فريق عمل البرنامج على أخذ احتياجات هذه الفئة بعين الاعتبار وتصميم المقررات بأسلوب موجه لتطوير الممارسات بالدرجة الأولى، وذلك من خلال التركيز على الممارسات العالمية المتقدمة في تخطيط المدن وإدارة التنمية؛ لذلك فإن أسلوب المحاضرات وورش العمل يتجزأ إلى ثلاثة أجزاء رئيسية:
الجزء الأول: ويتضمن شرح الأفكار الأساسية والتعريف بآليات، ومراحل تطبيق تلك الأفكار.
الجزء الثاني: تحليل الممارسات العالمية الناجحة في تخطيط المدن و تنمية الموارد الاقتصادية و البلدية.
الجزء الثالث: مجالات تطبيق الأفكار والممارسات العالمية الناجحة في القطاع البلدي في المملكة العربية السعودية، وتحليل التحديات المؤسسية التي تواجه صناع القرار والأجهزة البلدية.
وحول طبيعة الاستعانة بالخبراء والأساتذة الدوليين في البرنامج قال: سيتولى الخبراء والأساتذة الدوليون تقديم ورش العمل في الجزء الثاني من المقررات، والذي يختص بتحليل الممارسات العالمية المتقدمة، يدرك فريق عمل البرنامج الاختلافات المؤسسية بين الأنظمة البلدية وممارسات التخطيط في الدول الغربية؛ لذلك فإن التعاقد من الخبراء الدوليين سيكون على أساس تقديم التجارب والممارسات في قالب يتماشى مع الأنظمة البلدية في المملكة العربية السعودية، فعلى سبيل المثال في أمريكا وكندا والمملكة المتحدة، تشكل الضرائب البلدية المصدر الرئيس لدخل البلدية والتي على أساسها يتم توزيع ميزانية تشغيل المدينة؛ و بذلك فإن الخبير الزائر الذي سيتولى تدريس التمويل البلدي سيسلط الضوء على الممارسات المتقدمة تقييم واستثمار الموارد البلدية وتخصيص الخدمات البلدية والشراكة بين الأجهزة البلدية ومؤسسات القطاع الخاص في بناء وتشغيل المرافق.
ومن جانب آخر فإنه تم اختيار الخبراء الدوليين (بين أكاديميين وممارسين) بعناية بغرض تحقيق الإضافة النوعية في مواضيع البرنامج فعلى سبيل المثال يضم البرنامج:
أستاذاً متخصصاً في النقل وإعادة تطوير المواقع المتاخمة لمحطات النقل؛ لتحقيق كفاءة تشغيل الخدمة من جامعة كاليفورنيا بيركلي في الولايات المتحدة.
مدير تنفيذي سابق لمدينة ميامي في الولايات المتحدة وأستاذة متعاونة في التخطيط في جامعة هارفارد.
نائبة عمدة مدينة لندن (سابقاً) لتطوير البنية التحتية.
أستاذة في التمويل البلدي وخصخصة الخدمات البلدية من جامعة تورنتو، كندا.
أستاذة في الحوكمة الحضرية من جامعة كورنيل بالولايات المتحدة.
مدير تنفيذي للمعهد الحضري الأمريكي بواشنطن دي سي.
وبخصوص التدريب العملي للبرنامج قال الدكتور المغيري: سيتم طرح التدريب العملي في البرنامج من خلال مشروع استشاري دولي حيث سيتم اختيار المتميزين من برنامج قيادات للالتحاق بدورة تدريبية في مدن عالمية مشهورة بممارسات التخطيط وإدارة الموارد البلدية.
فعلى سبيل المثال، تجري المفاوضات لتقديم تدريب عملي في مجال صنع سياسات النمو العمراني الذكي في مدينة سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة، وتقديم تدريب عملي آخر في استثمار وإدارة الموارد البلدية في مدينة بوسطن في الولايات المتحدة. وبهذا الصدد، يجدر الإشارة إلى أن الجولة التي قام بها سمو ولي العهد حفظه الله في مدن الولايات المتحدة عكست نجاح تخطيط تلك المدن وربطه بالأنشطة الاقتصادية التخصصية، فعلى سبيل المثال حرصت مدينة نيويورك على تخطيط وتوفير البنى التحتية اللازمة لتنمية قطاع الخدمات المالية، فيما تميزت مدينة بوسطن بالتركيز على البحث العلمي والابتكار والتقنية الحيوية، وبرزت مدينة سان فرانسيسكو ووادي السيليكون في تقنية المعلومات والابتكار. وقد كان أساس تميز هذه المدن وتقدمها الاقتصادي هو الشراكة بين مجلس المدينة وقطاع الأعمال وتلبية احتياجات قطاع الأعمال والمجتمع من الخدمات البلدية والمرافق. ويذكر أن إحدى هذه المدن استحدثت مجلساً يضم 50 رئيساً تنفيذياً من الشركات الكبيرة ليكون مجلساً استشارياً اقتصادياً لأمين المدينة.
وحول ما إذا كان البرنامج مطروحاً لفئة معينة من موظفي القطاع البلدي قال "نعم البرنامج مطروح لقيادات المستقبل في القطاع البلدي من الرجال والسيدات ويتم ترشيح أسماء من كافة أمانات المملكة ويتقدمون فيما بعد لإجراء امتحان قبول مع لجنة البرنامج في جامعة الملك سعود.
كما ذكرت آنفاً فإن البرنامج يهدف إلى تطوير الممارسات في القطاع البلدي، وتنمية المدن وفق أحدث المعايير العالمية، وتشجيع الابتكار في هذا القطاع الخدمي الضخم. أيضاً أعمل مع فريق العمل على تأسيس مجتمع معرفي للقطاع البلدي وتنمية المدن، وتحويل البرنامج إلى منصة لنشر ثقافة الابتكار البلدي؛ لذلك فإننا لم نغفل هذا الجانب المهم ووضعنا لقاء دورياً تحت مسمى حديث المدن السعودية Saudi Cities Talk، وفيه نستقطب أمناء المناطق والمدن السعودية والممارسين العالميين للحديث عن قضية تنموية تهم المدن السعودية. بالإضافة إلى ذلك، فإننا نهدف إلى عقد مؤتمر سنوي للقيادات البلدية في المملكة العربية السعودية، وفيه يطرح قادة القطاع البلدي الملتحقون بالبرنامج مخرجاتهم من أوراق العمل والسياسات والمشاريع الاستشارية؛ ليشاركوا بها زملاءهم من كافة مؤسسات القطاع البلدي. اتفقنا على هذه الفعاليات؛ لتساعد على نشر أفكار التطوير خارج نطاق البرنامج.
وفي ختام الحوار، قدم الدكتور أنس المغيري المدير التنفيذي لبرنامج السياسات البلدية وتنمية المدن الشكر إلى مقام خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين على وضع رؤية المملكة 2030 كنبراس للتنمية والتغيير المؤسسي.
وأعرب عن شكره لوزير الشؤون البلدية والقروية، ومدير جامعة الملك سعود على الدعم الكبير لإنجاح الشراكة بين الوزارة والجامعة بتبني هذا البرنامج الطموح. أتقدم أيضاً بالشكر والتقدير لأعضاء الفريق التأسيسي للبرنامج.