نالت قضية فلسطين جُل اهتمام قيادة المملكة العربية السعودية الرشيدة، على مدار عقود من الزمن وسجّل التاريخ موقف المملكة الثابت والمناصر لقضية فلسطين، وامتد اهتمام القيادة إلى اهتمام شعبي من الشعب السعودي، وتواصل ذلك إلى دعم على كل المستويات السياسية والدعم المادي، وهو ما يؤكّده التاريخ.
يعد موقف المملكة العربية السعودية من قضية فلسطين من الثوابت الرئيسة لسياسة المملكة، بدءاً من مؤتمر لندن عام 1935م؛ المعروف بمؤتمر المائدة المستديرة لمناقشة القضية الفلسطينية، الذي وقفت فيه المملكة موقف المؤيد والمناصر للشعب الفلسطيني حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده - حفظهما الله؛ حيث تستعرض "سبق"، معلومات من مواقف المملكة العربية السعودية تجاه القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
رسالة إلى روزفلت
في عام 1943م، أسّست المملكة قنصلية عامة لها في مدينة القدس بفلسطين؛ لتسهيل الاتصالات مع الشعب الفلسطيني وتيسير الدعم لقضيته العادلة، وفي عام 1945م، أرسل الملك عبدالعزيز؛ طيّب الله ثراه، إلى الرئيس الأمريكي روزفلت؛ رسالة يشرح فيها القضية الفلسطينية، وأسهمت هذه الرسالة في تغيير موقف إدارة روزفلت؛ ووعده بعدم الاعتراف بدولة إسرائيل، وتعد هذه الرسالة من أقوى الرسائل في تاريخ الدفاع عن حقوق الفلسطينيين.
حملة تبرعات وزكاة
في يونيو 1967م، تمكنت حملة التبرعات الشعبية في المملكة من جمع مبلغ أكثر من 16 مليون ريال في حينه، أما في ديسمبر 1968م، فصدرت فتوى شرعية عن كل من سماحة مفتي المملكة آنذاك الشيخ محمد بن إبراهيم؛ ومن بعده عن سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمهما الله- بجواز دفع الزكاة إلى اللجان الشعبية لمساعدة الشعب الفلسطيني.
1 % من الرواتب
في 1969م، وجّه رئيس اللجنة الشعبية لدعم الفلسطينيين الملك سلمان بن عبدالعزيز؛ بصفته آنذاك رئيساً للجنة الشعبية لمساعدة الشعب الفلسطيني، - خطاباً مفتوحاً برقم 22 - 1 - 3159، يدعو فيه السعوديين إلى الاكتتاب لمصلحة رعاية أسر مجاهدي وشهداء فلسطين بنسبة 1 % من رواتبهم، ولاقت تلك الدعوة قبولاً كبيراً بين أوساط الموظفين في الدوائر الحكومية.
"التعاون الإسلامي"
في عام 1969م، أسفرت جهود المملكة عن انعقاد مؤتمر الدول العربية والإسلامية في الرباط؛ المغرب، وتمّ الاتفاق في حينه على إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي (منظمة التعاون الإسلامي حالياً) التي تضم في عضويتها 57 دولةً عربيةً وإسلاميةً، وطُرحت مبادئ الدفاع عن شرف المسلمين وكرامتهم المتمثلة في القدس وقبة الصخرة، وذلك كمحاولة لإيجاد قاسم مشترك بين جميع المسلمين.
سجل الشرف
قامت اللجنة الشعبية لدعم الفلسطينيين في الرياض برئاسة الملك سلمان بن عبدالعزيز؛ بصفته آنذاك رئيساً للجنة الشعبية لمساعدة الشعب الفلسطيني، بمشروع "سجل الشرف" الذي استهدف زيادة حجم الإيرادات والتبرعات الشعبية، ويلتزم من خلاله الأفراد والتجار والشركات والمؤسسات بتقديم تبرعات شهرية أو سنوية منتظمة لحساب اللجنة الشعبية، كما التزمت الغرفة التجارية في الرياض بالاكتتاب بنسبة 10 % من قيمة اشتراكات الأعضاء.
160 مليون ريال
في عام 1982م، تمكنت حملة التبرعات الشعبية التي أعقبت الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان من جمع أكثر من 108 ملايين ريال، وفي 1988م، وجّه الملك سلمان؛ بصفته آنذاك رئيساً للجنة الشعبية لمساعدة الشعب الفلسطيني، نداءً ثانياً يدعو فيه إلى مواصلة التبرع لدعم الانتفاضة الباسلة، لزيادة إيرادات اللجنة بشكل عام، استناداً إلى خطة العمل بهذا الشأن والمقرّة من اللجنة الشعبية في اجتماعاتها برئاسته، فيما بلغت حصيلة حملة التبرعات الشعبية لدعم الشعب الفلسطيني الأولى أكثر من 160 مليون ريال.
مواقف لا يُبتغى منها شكرٌ
في 1988م، أكّد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بصفته آنذاك رئيساً للجنة الشعبية لمساعدة الشعب الفلسطيني، أن المملكة العربية السعودية لم تتخذ يوماً من الأيام موقفاً مؤيداً وداعماً للقضية الفلسطينية من أجل أن يأتيها الشكر والتثمين من أيٍّ كان على هذه المواقف المبدئية؛ لأن القضية بالنسبة للمملكة ليست مجرد قضية دولية عابرة، وإنما هي بالفعل قضيتها الأساسية والمركزية، ولذا ستبقى مواقف المملكة المسؤولة تجاه القضية الفلسطينية، معبرة بحق عن مواقف الأمة العربية ومصوّبة ومقوّمة لما يجب أن تكون عليه الرؤية العربية تجاه فلسطين الشعب والقضية، وأنها تأتي في سياق رؤية سعودية إستراتيجية راسخة وليست سياسة عابرة لذر الرماد في العيون.
السفارة والوسام
في عام 1989م، افتتح الملك سلمان حين كان أميراً للرياض آنذاك مبنى السفارة الفلسطينية في الرياض، ورفع العلم الفلسطيني على مبنى السفارة، وفي 1997م، قلّد الرئيس ياسر عرفات؛ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وسام نجمة القدس؛ تقديراً لجهوده الاستثنائية الخاصّة في دعم الشعب الفلسطيني، وذلك في حفل كبير في إمارة الرياض.
وتواصلت جهود المملكة حتى عام 2014م، حيث أعلن الأمير سعود الفيصل؛ وزير الخارجية آنذاك، في افتتاح مؤتمر وزارة خارجية المنظمة في جدة، تخصيص 300 مليون ريال أمر بها الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - لمساعدة الفلسطينيين طبياً.
مركزية القضية
أكّد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز؛ في عام 2017م، خلال القمة العربية الثامنة والعشرين في البحر الميت، أنه يجب ألا تشغلنا الأحداث الجسيمة التي تمر بها منطقتنا عن تأكيدنا للعالم على مركزية القضية الفلسطينية لأمتنا.
خطوة غير مسؤولة
بعد قرار الرئيس ترامب؛ باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالقدس عاصمة لإسرائيل، أبدت المملكة أسفها الشديد من جرّاء هذا الإعلان، مؤكدةً أنها سبق أن حذّرت من العواقب التي وصفتها بـ "الخطيرة" لمثل هذه الخطوة غير المبررة وغير المسؤولة.
بيان الديوان
في عام 2018، أصدر الديوان الملكي السعودي بياناً جاء فيه: "تأمل حكومة المملكة العربية السعودية أن تراجع الإدارة الأمريكية هذا الإجراء (نقل السفارة الأمريكية إلى القدس)، وأن تنحاز للإرادة الدولية في تمكين الشعب الفلسطيني من استعادة حقوقه المشروعة، وتجدّد التأكيد على أهمية إيجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية، وفقاً للقرارات الدولية ذات الصلة، والمبادرة العربية، ليتمكن الشعب الفلسطيني من استعادة حقوقه المشروعة، ولإرساء الأمن والاستقرار في المنطقة".
أقوال تاريخية
في عام 1929م، وقف الملك عبدالعزيز مع الشعب الفلسطيني ضدّ الاحتلال رغم الأزمة الاقتصادية التي كانت تمر بها البلاد السعودية آنذاك وتؤثر فيها تأثيراً شديداً، وبعث الملك عبد العزيز تبرعاً عاجلاً للفلسطينيين، سُلِّم لرئيس المجلس الإسلامي الأعلى في فلسطين محمد أمين الحسيني؛ مع رسالة عاجلة.. جاء فيها: "قد غمنا هذا وأحزننا جداً ولم نكتم ما كان لتلك الحوادث من الأثر المؤلم في أنفسنا منذ بلغتنا وأظهرنا ذلك في وقته ومحله".
وعند صدور مشروع تقسيم فلسطين الذي أقرّته "لجنة بيل" عام 1356هـ، قال الملك عبدالعزيز؛ مخاطباً الوزير المفوض البريطاني في جدة: "لا يوجد عربي صادق يوافق على التقسيم، وإذا قيل لكم: إن أفراداً في بلد عربي يوافقون على التقسيم فثقوا أن أغلبية ذلك البلد لن توافق عليه".
في عام 1935م، بعث الملك عبدالعزيز؛ الملك سعود -ولي عهده- إلى فلسطين؛ لتفقد أوضاع الشعب الفلسطيني عقب ثوراته المتعدّدة، وقال الملك سعود؛ في أثناء الزيارة: "إن أبناء الشعب الفلسطيني هم أبناؤنا وعشيرتنا، وعلينا واجبٌ نحو قضيتهم سوف نؤديه".
الفرحة فرحتان
أرسل الملك عبدالعزيز الملك فيصل وزير الخارجية آنذاك، إلى فلسطين لدعم الموقف الفلسطيني، في عام 1937م، وهناك قال: "أرسلني والدي الملك عبدالعزيز في مهمتي هذه إليكم ففرحت فرحتين: الفرحة الأولى كانت من أجل زيارة المسجد الأقصى المبارك والصلاة فيه، أما الأخرى فكانت لقاء هؤلاء الثوار لأبشرهم بأن جهودهم لن تذهب سُدى".
في عام 1976م، قال الملك خالد بن عبدالعزيز في حديث صحفي: "إن المملكة العربية السعودية تعمل كما تعلمون جادة مخلصة وبكل إمكاناتها وطاقاتها لنصرة الحق العربي الإسلامي في فلسطين وتحرير مدينة القدس، وهي لا تدخر في ذلك وسعاً ولن تدخر ونحن في المملكة العربية السعودية نتطلع إلى مؤازرة الدول الإسلامية الأخرى؛ لأن ثالث الحرمين الشريفين إنما هو حقٌ من حقوق الأمة الإسلامية يجب أن تغار عليه وتعمل لاستخلاصه من براثن الصهيونية".
نداء يدوى وصيحات
في عام 1984م، جاء في خطاب الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله في وفود الحجاج: "إن نداء القدس لا يزال يدوي في أسماعنا، وتلك صيحات إخواننا من أبناء الأرض المحتلة لا تزال في أعماقنا، والعدو لا يزال في غيه وعتوه، يسفك الدماء ويقتل الأبرياء ويعيث في الأرض فساداً".
في عام 2006م، قال الملك عبدالله بن عبدالعزيز: "إن المنطقة لن تعرف قراراً ولا استقراراً ما لم يعترف العدو قبل الصديق بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره وحقه في العودة إلى بلده وحقه في إقامة دولته على تراب وطنه المغتصب وهذه الحقوق لا تقبل تفاوضاً ولا جدلاً".
قمة القدس
قال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- في القمة العربية الـ 29، في العام الجاري: "أود أن أعلن تسمية القمة الـ 29 بقمة القدس، ليعلم القاصي والداني أن فلسطين وشعبها في وجدان العرب والمسلمين".
من قبلها في عام 2014م، قال الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية آنذاك، في افتتاح مؤتمر وزارة خارجية المنظمة في جدة: "المملكة تعد القضية الفلسطينية قضيتها الأولى، وهي اليوم هنا، في منظمة التعاون الإسلامي، التي تمثل الأمة، وتجسّد ضميرها، وتتحدث بصوتها، وتعبّر عن إرادتها، وتبلور عزيمتها؛ حيث تعقد اللجنة التنفيذية اجتماعها الثاني خلال شهر واحد، وذلك من أجل التداول في كيفية التصدّي للعدوان الإسرائيلي الغاشم على أهلنا في قطاع غزة بعد أن استمر العدوان وتواصل ليلاً ونهاراً، جواً وأرضاً وبحراً على مدى شهر كامل لقتل الفلسطينيين بشكل جماعي، مستهدفاً المدنيين وعلى نحو خاص الأطفال والنساء الذين يشكلون أكثر من نصف الضحايا".
الصراع والحل
أكّد وزير الخارجية الدكتور عادل الجبير؛ في عام 2018م ، أن موقف المملكة ثابت فيما يتعلق بملف الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وأن الحل (للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي) يعتمد على المرجعيات الدولية ومبادرة السلام العربية، وينتهي بإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967م عاصمتها القدس الشرقية".