حين تكون ذا موقف ثابت وواضح وصادق، ستعاني في حياتك الخاصة قبل العامة، فالعصر الحالي يبحث عن الشخصية المرنة، أو لنكن أوضح قليلاً، الشخصية المتلونة، هذا بشكل شخصي فكيف بحال الحكومات وقياداتها، ولعل تفكرا سريعا بالواقع في العالم يوضح ما أقصد تحديداً.
الرئيس الأمريكي التاسع والثلاثون، جيمي كارتر، ورغم أن الديموقراطيين في الولايات المتحدة، لا يروقوني، إلا أن عوامل عدة جعلتني أتابع وأقرأ عنه وله، أهمها كونه رغم أنه تولى قيادة أمريكا لولاية واحدة فقط (١٩٧٧-١٩٨١م)، إلا أنه ترك بصمة نوعاً ما مختلفة بالشرق الأوسط، كرعايته ومشاركته في توقيع اتفاق "كامب ديفيد"، أما العامل الآخر فكونه خريج جامعة "جورجيا تك" التي تشرفت بتخرج سيدي الوالد منها، واستمراره في إبداء آرائه السياسية والعمل على تنفيذها، فنشر بعد خروجه من البيت الأبيض ما يقترب من الثلاثين كتاباً سياسياً.
عودة لما كنّا نتحدث عنه، نشر كارتر مذكراته الرئاسية بعد ٣٠ عاماً من نهاية فترته، تحت عنوان "مذكرات البيت الأبيض"، وعن القيادة السعودية كتب (إن السعوديين وحدهم يقولون في العلن ما يقولونه تماما في المحادثات الخاصة)، ورغم أن السياسة لدى أغلب السياسيين تعني المكر والمناورة والتلاعب بالكلمات ومغازلة العواطف، إلا أنها مختلفة لدى السعوديين، فقد أسست المملكة العربية السعودية قوانين وطرقا سياسية تخصها، فتجاوزت السعودية كونها تعبر عن المملكة، إلى وصف وإيجاز لمعاني الصدق والشفافية والوضوح، ولو كان الثمن أعمارنا، كحالة الملك الشهيد فيصل بن عبدالعزيز، والذي دفع ثمن وضوحه وصدقه وشفافيته، حين قالها على الملأ كما كان يقولها في الغرف المغلقة (ماذا ننتظر؟! وإلى متى ننتظر؟! ومقدساتنا وحرماتنا تنتهك بأبشع صورة فماذا يخيفنا هل نخشى الموت؟)، هذا كله جعل السياسة السعودية، مفهوما جديدا، لتعلم الدولة العربية الإسلامية دولا وسياسات سبقتها بقرون، السياسة السعودية، وهي السياسة التي أثبت الزمان أنها وحدها المنتصرة.
ليس في قولي "وحدها المنتصرة" مبالغة، لا والله، ولكن لنعد سوياً للأحداث المختلفة التي اختبرت بها سياسة الرياض، سأضرب لكم مثالين من آلاف الأمثال في ذاكرتي، قيادتها دفة الصراع السياسي في الحرب العراقية الإيرانية (١٩٨٠-١٩٨٨م)، ممثلاً للجانب العربي في أروقة الأمم المتحدة والعواصم العالمية، ومن ثم قيادة دفة التحالف الخليجي في حرب الخليج (١٩٩١م)، وفِي الصراعين نجحت الرياض بفضل الله في استصدار قرارات دولية تنتصر لها وللقضايا التي تبنتها.
ولأن المملكة وقياداتها، لا يجيدون مغازلة العواطف بشعارات رنانة، وتقديم التنازلات تحت الطاولات، أو دفع الرشاوي، فكان موقفها من نقل السفارة الامريكية في إسرائيل للقدس، ليس بحاجة لإثبات عبر تصريح عنتري، أو نشر تصريحَين متناقضين حسب لغة النشر، كما يفعل رؤساء دول قريبة، ليتصدروا أحاديث المقاهي، قبل أن تفضحهم أفعالهم غير مرة، كتهديد الرئيس التركي أول من اعترف بإسرائيلية القدس بوثائق رسمية باللغة التركية، باللغة العربية بقطع العلاقات مع حليفه المحتل الصهيوني في حالة إعلان نقل السفارة، رغم كونه لم ولن يفعل حتى ترجمة التصريح العنتري.
وضوح الرياض، وشفافيتها، عوضاً عن أن تكسبها المزيد من الصداقات، بل انعكست في عالم متلون فاسد، ليكسبها عداءات لن تثنيها عن صدقها ووضوحها، وفِي كل المجالات حتى غير السياسية، فالكعب العالي السعودي غاظ حتى البعض في دول كنّا نراها شريكا لنا في إنجازاتنا، لنقرأ لبعض المغردين الحانقين على السعودية في "تويتر"، محاولة الانتصار لخصوم دولتنا، عبر تشكيك وهمز ولمز حتى في مواضيع رياضية، كأحد أفراد الأسر المنتجة في إحدى الدول العزيزة علينا، ونتمنى لبلده قبل شخصه وتجارته البسيطة ببيع ورق العنب، التوفيق والنجاح.. هؤلاء الصغار يذكرونني بمن يبحث عن الشهرة، ولو كانت مسيئة له ولأسرته وأهله، كمن قضى حاجته في بئر لهثاً خلف الشهرة، وإن لم يذكره التاريخ إلا في قائمته السوداء، ولن ينال إلا الْخِزْي والعار وسواد الوجه وبضع ريالات لا تساوي شيئاً مما لطخ به اسمه وأساء به لأسرته وأهله.
عودةً للشأن التركي، كان إعادة وزير خارجية الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد من حسابه الشخصي لتغريدة لدكتور عراقي عن جرائم الدولة العثمانية في المدينة المنورة، سبباً في إثبات حماقة القيادة التركية، التي تفاخرت بمجرم ولي أمر المدينة المنورة يدعى "فخر الدين باشا" أو "فخري باشا"، ليتولى البحث عنه مغردو تويتر، وينشرون فضائح فخري التي قادت لتعريف الجيل العربي القادم بفضائح الدولة العثمانية، أحد أسوأ العصور التي مرت بالخلافة الإسلامية، وسبب التنازلات التي سعت وتسعى السعودية لاستردادها من أعداء الأمة الإسلامية.
تويتر: @SALEEH10