نقلت الوكالة الفرنسية تأكيدات رأس الكنيسة المارونية اللبنانية "مار بشارة بطرس الراعي" الثلاثاء بدعمه رئيس الحكومة سعد الحريري، واقتناعه بأسباب استقالته، وذلك خلال زيارة تاريخية للمملكة العربية السعودية، استقبله خلالها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وجاءت بعد أيام على تقديم الحريري استقالته على خلفية تصعيد حاد بين السعودية من جهة وإيران وحزب الله من جهة ثانية.
وقال الراعي لصحفيين إثر لقاءات عقدها مع مسؤولين سعوديين ردًّا على سؤال عما إذا كان الحريري يخطط للعودة إلى لبنان: "أكيد، وبأسرع ما يمكن.. وربما الآن ونحن هنا".
وسُئل عن الاستقالة ومدى اقتناعه بها فقال: "هل أنا غير مقتنع؟ أنا مقتنع كل الاقتناع بأسبابها".
وجرى خلال الاستقبال "استعراض العلاقات الأخوية بين السعودية ولبنان، وتأكيد أهمية دور مختلف الأديان والثقافات في تعزيز التسامح ونبذ العنف والتطرف والإرهاب، وتحقيق الأمن والسلام لشعوب المنطقة والعالم".
حضر اللقاء وزير الداخلية الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف بن عبدالعزيز، ووزير الخارجية عادل الجبير، ووزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان.
كما اجتمع الراعي بسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وبحث معه "العلاقات الأخوية بين السعودية ولبنان".
وترتدي زيارة الراعي إلى السعودية دلالات رمزية كبيرة نظرًا إلى ما يمثله البطريرك من ثقل تمثيلي بالنسبة إلى مسيحيي الشرق، وما تمثله السعودية بالنسبة إلى مسلمي العالم أجمع لوجود أهم مقدسات المسلمين فيها.
وكان البطريرك الماروني بشارة الراعي قد وصل إلى الرياض الاثنين في أول زيارة لشخصية لبنانية بارزة منذ إعلان الحريري استقالته في الرابع من نوفمبر بشكل مفاجئ من العاصمة السعودية.
كما نقلت الوكالة دعوة الحريري الثلاثاء في تغريدة على موقع "تويتر" إلى الهدوء، وقال في تغريدته بعد انقطاع عن التغريد استمر ثمانية أيام: "يا جماعة، أنا بألف خير. وإن شاء الله أنا راجع هاليومين (عبارة باللغة اللبنانية المحكية تعني العودة قريبًا جدًّا) خلينا نروق، وعائلتي مقيمة ببلدها، المملكة العربية السعودية مملكة الخير".
والتقى الراعي سعد الحريري في مقر إقامة الأخير في الرياض وسط استمرار التقارير والتأويلات حول عدم عودته إلى لبنان بعد لاستكمال الإجراءات الدستورية لاستقالته، ووسط اتهامات خصومه بأنه "محتجز" في السعودية، ولا يملك حرية العودة إلى لبنان.
وكان الحريري قد أعلن في مقابلة تلفزيونية مساء الأحد أن تدخُّل إيران في الشؤون اللبنانية وفي شؤون الدول العربية، ووقوف فريق لبناني (هو مليشيا "حزب الله") إلى جانبها، هو أحد أبرز أسباب استقالته. ودعا "حزب الله" الذي يقاتل إلى جانب النظام السوري إلى الانسحاب من نزاعات المنطقة، ولاسيما من سوريا واليمن.
وأكد أنه مستعد لـ"تسوية نهائية" مع حزب الله في حال تعهده بتحييد لبنان عن نزاعات المنطقة.
وتوقف الإعلام اللبناني أيضًا عند أهمية الزيارة. وكتبت صحيفة "النهار" اللبنانية أن الزيارة "تشكل مؤشرًا قويًّا بارزًا لتغيرات تحديثية هائلة، تشهدها السعودية في كل المجالات. كما هي اعتراف أعلى مرجعية إسلامية بدور مميز لمسيحيي لبنان في إطار السعي إلى تضييق المسافات بين المسيحيين والمسلمين في العالم أجمع".
واعتبرت أن دعوة الراعي إلى الرياض "لا سابق لها منذ نشوء الإسلام".
وأوردت صحيفة "لوريان لوجور" الناطقة بالفرنسية أن "وجود مسؤول ديني مسيحي في السعودية للمرة الأولى يشكّل حدثًا غير مسبوق للحوار بين الأديان والعيش المشترك".