المباشرة والحقائق والوضوح.. كيف يمكنك أن تدير الـ"60 دقيقة"؟

بالمنطق والدلائل: تشخيص دقيق للتهديدات والتحديات ورفض للافتراءات والأكاذيب
المباشرة والحقائق والوضوح.. كيف يمكنك أن تدير الـ"60 دقيقة"؟

لقد كان من الملفت حقًا في دهاليز هذا السؤال، أن يصحح الأمير للمذيعة أنه لا صحة لبعض ما تستشهد به. هذا وإن بدا عاديًّا؛ إلا أنه أيضًا قد يبدو مُحرجًا جدًّا لبرنامج عريق في قناة شهيرة! وفي المقابل فمستوى الثقة والتحدي مذهليْن: "‎أتمنى أن يتم إخراج هذه المعلومات للعلن، إذا كانت هناك أي معلومات تتهمني بالقيام بأي عمل، أتمنى أن يتم إخراجها".

في 19 مارس 2018م، حلّ ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، ضيفًا على برنامج "60 دقيقة" المذاع على قناة CBS الأمريكية؛ ليجيب بشفافية متناهية عن أبرز الأسئلة التي وُصفت بالصعبة، عن المملكة العربية السعودية، وما تعيشه من ثورة إصلاحية واقتصادية، وقد شكّلت وقتها الشفافية الكبيرة لسموه سابقةً في تجاوز الأعراف الدبلوماسية المعتاد عليها من قِبَل الزعماء والقادة في التعامل مع وسائل الإعلام، والتي عادة ما تتسم بالتحفظ الشديد.

شفافية عالية:
في تلك المقابلة التي تمت قبل أكثر من عام لم يتردد الأمير في الإجابة الصريحة على أقوى الملفات؛ مثل حرية التعبير، ومحاربة التطرف، وصورة الإسلام الحقيقية، وما عانت منه المملكة من الإرهاب، وخطر إيران، ووضع اليمن، وتمكين المرأة السعودية، وصولًا لشرح ما هي القوانين التي تسمح للملك باتخاذ القرارات.
لقد أذهل الأمير متابعي البرنامج الشهير بشفافية خارج المنطق الدبلوماسي المتعارف عليه، وفي نفس الوقت هي تقول الحقائق وتتعامل مع الوقائع ببساطة عجيبة ومباشرة ولسان الحال "لا شيء لدينا لنخفيه.. هكذا نذهب للمستقبل".
مجددًا والبارحة تحديدًا -فجر الاثنين 30 سبتمبر 2019م- بثت القناة مقابَلة جديدة لنفس البرنامج مع سمو ولي العهد، والتي جاءت في وقت تعصف فيها المنطقة بالأحداث والتحديات؛ ومنها ما يتعلق مباشرة بالسعودية بالطبع. في اللقاء الجديد ومع تزامن أحداث بحجم الاعتداء على أرامكو وفرض العقوبات على إيران، وما تمرّ به السعودية من تحديات؛ بخلاف المنتفعين من تسيس قضايا مثل مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي؛ إلا أن سمو ولي العهد كان كالعهد به دقيقًا ومباشرًا وحاسمًا؛ بل ومتحديًا بالحقائق والمنطق والوقائع، وقد كان أسهل ما عليه هو الاعتذار عن المقابلة برُمّتها.
في اللقاء الجديد، تحدّث سموه بشفافية ملجمة؛ فهو لم يلتفّ ولم يتنصل، وتحمّل ما يرى أنه يتحمله كقائد كبير؛ ملتزمًا برؤية ومبادئ إسلامية واحترام كبير للقضاء؛ مما جعل مساحة التمدد معدومة أمام أية تفريعات لأية أسئلة سواء التي طُرحت، أو قطع الطريق على أي اجتهادات قد تنتج عنها بلا طائل.
وتقرأ "سبق" في التالي أبرز ما تحدّث عنه الأمير مجيبًا وواضعًا النقاط على الحروف:

*- قضية خاشقجي:
الحوار الذي بدأ مباشرة عن أهم سؤال حَلُم المنتفعون بأن يكون أول ما يُطرح -وقد كان- ليتلقى الرد المبرر والعقلاني؛ فالأمير الذي يقود أكبر عملية تطوير في تاريخ بلاده نحو المستقبل، أكد أن هناك جريمة بشعة ارتُكبت. ووعد كمسؤول بمعاقبة الجناة فور ثبوت التهم. وهذا منطقي للغاية، فعلى غرار كل دول العالم المتقدمة؛ القضاء مستقل تمامًا، وتحدى الأمير أن تكون هناك أية دلائل "على أن شخصًا قريبًا مني قام بأمر مثل هذا. توجد تُهم وهي تحت التحقيق؛ لكن مرة أخرى، لا يمكنك أن تتصوري الألم الذي نعاني منه خصوصًا كحكومة المملكة العربية السعودية جراء جريمة كهذه".
لقد كان بإمكان الأمير وهو الرجل الثاني في بلاده أن يرفض هذا السؤال، أو يشترط عدم التطرق له قبل بدء المقابلة؛ لكنه ببساطة ووضوح أكد أنه لم يأمر بتلك الجريمة، ولا يمكن له -ولا لأي مسؤول في العالم بحجم مسؤولياته- أن يراقب ملايين الموظفين الذين يعملون في الحكومة.
ولقد كان من الملفت حقًّا في دهاليز هذا السؤال أن يصحح الأمير للمذيعة أنه لا صحة لبعض ما تستشهد به. هذا وإن بدا عاديًّا؛ إلا أنه أيضًا قد يبدو محرجًا جدًّا لبرنامج عريق في قناة شهيرة! وفي المقابل فمستوى الثقة والتحدي مذهليْن: "‎أتمنى أن يتم إخراج هذه المعلومات للعلن. إذا كانت هناك أي معلومات تتهمني بالقيام بأي عمل، أتمنى أن يتم إخراجها".

*- الاعتداء على أرامكو:
في هذه النقطة، يُبرز الأمير مبادئ وثوابت بلاده في تعزيز وتقديم خيارات السلام. هو يرى أن هناك مسؤولية عالمية لحماية مصالح العالم. وأن هذا التخاذل العالمي في التصدي لإيران سيؤثر على تلك المصالح. وإذا ارتفعت أسعار النفط بسبب ذلك؛ فالسعودية هي من كبار المستفيدين؛ هذا بخلاف حقها في الرد، وقتما ترى مناسبة ذلك، وكيفيته. و"بلا شك إذا لم يقم العالم باتخاذ موقف حازم ورادع لإيران؛ فسوف نرى تصعيدًا أكبر، وسوف تهدد مصالح العالم، وسوف تتعطل إمدادات الطاقة، وسوف تصل أسعار النفط إلى أرقام خيالية لم نَرَها في حياتنا". إن الرسالة السعودية واضحة للعالم "إيران لم تعتدِ على المملكة فقط؛ بل اعتدت على اقتصاد العالم، وما تعرضت له المملكة عمل إجرامي عالمي أدانه المجتمع الدولي".

*- البلطجة الإيرانية واليمن:
في مقابلته الأولى مع نفس البرنامج، أكد ولي العهد على أن "إيران تلعب دورًا ضارًّا.. وتقوم على أيديولوجية خالصة"، وهي من ذلك المنطلق تغذي الإرهاب في كل الشرق الأوسط والعالم. كما أن دعمها للحوثيين الانقلابيين هو أكبر عائق للسلام في اليمن.
وفي تحديد الوصفة الناجعة يقول ولي العهد في حواره الذي تم بثه البارحة: "إذا أوقفت إيران دعمها لمليشيات الحوثي فسوف يكون الحل السياسي أسهل بكثير. اليوم نفتح كل المبادرات للحل السياسي داخل اليمن، ونتمنى أن يحدث هذا اليوم قبل الغد.. نحن نقوم بذلك كل يوم". لقد أكد سموه في ثنايا حديثه، أن المملكة -وفق دورها الإقليمي والدولي- وقفت إلى جانب اليمن وتدعم حكومته الشرعية، وتأمل في انتهاء الحرب إذا ما حضر السلام؛ مشددًا على أن "المملكة لا تسعى لأي حرب، وهي تفضل الخيار السياسي والدبلوماسي، وفي نفس الوقت جميع الخيارات مطروحة على الطاولة".

*- قضايا الموقوفات:
ربما لن تجد أحدًا يتحدث عن موضوع حساس كهذه بنفس طريقة ولي العهد السعودي. يؤكد الأمير مجددًا أن القضاء السعودي مستقل، وأنه ليس من يحدد من يخرج ومتى يخرج، والأمر متروك للمؤسسات القضائية.
يرد الأمير: "‎المملكة العربية السعودية دولة تحكمها القوانين، وقد لا أتفق مع بعض هذه القوانين؛ لكن ما دام أنها قوانين موجودة اليوم؛ يجب احترامها حتى يتم إصلاحها".
جانب آخر يشير له الأمير فيما يخص هذه الجزئية، وهو أن الموقوفين والموقوفات لم يتم إيقافهم بسبب مزاعم حقوق الإنسان؛ وإنما لارتكابهم جرائم تمس الوطن والمواطن بالدرجة الأولى، ومثل هذه القضايا تحدث في أي دولة في العالم، والتحقيقات القضائية متواصلة من أجل العدالة لجميع الموقوفين"؛ مشددًا على أن إطلاق سراح أي موقوف يعود للمدعي العام فقط.

*- 360 درجة:
في الحوار الأخير وبرغم ما هو معروف عن ولي العهد من عمل لا يتوقف وضغوطات لا متناهية، وهو امتداد لما سبق أن ذكره في حوارات سابقة: "أنا شخص أعمل من بعد الظهر حتى آخر الليل مع زملائي الوزراء في مكتبي"؛ فهو يؤكد أنه متفائل: "‎كقائد يجب أن أكون متفائلًا كل يوم، لا أستطيع أن أكون متشائمًا، إذا كنت متشائمًا يجب أن أترك الكرسي وأعمل في مكان آخر".. هي دلالات عظيمة، يقتسمها الأمير مع شباب وشابات بلاده؛ أن يُشعرهم باحتفاظه بالتفاؤل دائمًا.
وإذا كان سموه قد ذكر في لقاء سابق: "بدون دعم الناس لم نكن لنستطيع فعل ما كنا نفعله في السنوات الثلاث الأخيرة"؛ فإنه يؤكد في حواره البارحة أنه يتألم فعلًا من أن "البعض ينظر للصورة من خانة ضيقة جدًّا، أتمنى أن يأتي الجميع للمملكة العربية السعودية وينظر للواقع ويقابل النساء والمواطنين السعوديين ويحكم بنفسه... من المهم إذا أخطأنا أن نتعلم من أخطائنا ونتأكد أنها لن تتكرر..". هذه دعوة منصفة بلا شك.
وما بين التفاؤل والدعوة للإنصاف؛ يدرك الأمير حجم التحديات والتهديدات: "لدينا تهديدات موجودة من 360 درجة"، مبررًا في واقعية "يصعب تغطية كل هذا بشكل كامل"؛ إلا أنه وبحكم ما يتحقق على أرض الواقع من منجزات ملموسة، وتجاوب شعبي، وتفاؤل وطن؛ لن يتوقف عن دفع الرؤية الطموحة لبلاده نحو المستقبل.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org