يقولون: "الحكم على الشيء جزء من تصوره". بوصفي خبيرًا في مجال السفر والسياحة لثلاثة عقود، أستطيع سبر أغوار النقل الجوي الذي طالما سعى الراكب إلى فك طلاسمه؛ إذ يبدو له أمرًا هينًا لأول وهلة، وأن ما يدفعه مقابل الخدمة التي تقدمها شركة الطيران المفضلة هو سعر غير عادل.
إن المنتجات التي تعرضها شركات النقل الجوي للبيع حالها حال المنتجات الأخرى؛ إذ تخضع لتقدير ومراجعة التعرفة وفقًا لاتجاهات السوق (أي العرض والطلب)، ويفترض خضوع تركيب تعرفة السفر الجوي لإشراف مباشر من قِبل السلطات المختصة لضمان السلامة والجودة النوعية، كذلك عدم الاحتكار والإغراق، إلى جانب حماية حقوق المسافرين بما ينسجم وقوانين منظمة النقل الجوي العالمية (إياتا).
لم تعد الخطوط الجوية ناقلاً وطنيًّا غير ربحي كما كان دورها في الماضي؛ فما فتئت أن اعتمدت التشغيل التجاري أساسًا لاستدامة نشاطها؛ إذ أوكلت إلى بيوت خبرة عالمية تحويل قطاعاتها إلى شركات مستقلة، فيما تولت هيئة الطيران هيكلة أنظمتها ومطاراتها تعزيزًا لمهامها الجديدة؛ فطرحت الدولة من خلالها رخصًا لشركات جوية وطنية ودولية فيما يبدو أنها توسع استثماري لتلبية متطلبات السوق السعودية الشاسعة التي لا توفر خيارات سفر أخرى برية أو بحرية خلال العقود الثلاثة الأخيرة، بيد أنها لا تنزع أبدًا إلى المنافسة الإيجابية للمسافر والشركة على حد سواء؛ فما يلبث أن يصبح المشغل الجديد شريكًا أصيلاً للناقل الوطني من ناحية توزيع الحصص السوقية، وتعرفة خدمات الركاب والشحن الجوي؛ فعمدت إلى إقرار أسعار تصل إلى ثمانية أضعاف خلال أربعة عقود، إلى جانب إضافة رسوم مغلظة أخرى في صورة فئات سعرية، لا يوافقها خدمة نوعية معتبرة يجنيها المسافر.
وقد عمدت الخطوط السعودية بعد الخصخصة على الاحتفاظ بحصة مناسبة لأسطولها الداخلي، فيما آلت المحطات الأقل طلبًا إلى شركات أخرى بأسعار عالية جدًّا.
الخطوط السعودية تقود ارتفاع سقف أسعار التذاكر بنسبة١٠ ٪ من سعر المرحلة الثانية، وهيئة الطيران تسمح لها بزيادة الأسعار بنسبة ٨٠ ٪ من أسعار التذاكر الداخلية "الجديدة" في حال وصول معدلات الحمولة إلى ٧٠ ٪ من الحمولة بهدف تحفيز المسافرين على التخطيط المبكر للسفر.. وضمان استيفاء الحمولة لم يقابله خدمات مجانية للمسافر.
الأسعار مرشحة للارتفاع طالما استمرت النفقات التشغيلية والرأسمالية صعودًا بالوتيرة نفسها، والجنوح إلى الشراكة بدون منافسة حقيقية.. والمسافر هو الحلقة الأضعف بين هوامير النقل الجوي.