تترقب الأوساط السياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط ما ستسفر عنه مباحثات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يحفظه الله والرئيس التركي رجب طيب أردوغان من نتائج وقرارات، وذلك عندما يلتقيان في الرياض بهدف تعزيز العلاقات بين البلدين. ومن المقرر أن يصل أردوغان إلى الرياض اليوم في ثاني محطات جولته الخليجية التي بدأها أمس من المنامة، وتشمل أيضًا دولة قطر. وينظر العالم إلى المملكة العربية السعودية وتركيا على أنهما الداعمتان الرئيستان لقضايا المنطقة، وتحديدًا الأزمة السورية. ويؤمن الجميع بأن حل هذه الأزمة لا بد أن يمر بالرياض وأنقرة أولاً.
ويأتي لقاء خادم الحرمين الشريفين والرئيس التركي في وقت مهم وحساس، تمر به منطقة الشرق الأوسط، التي تشهد ازديادًا في عمليات العنف والقتل والإرهاب في مناطق الصراع، وتحديدًا في كل من سوريا والعراق واليمن، وهي أول الملفات الساخنة التي سيبحثها الزعيمان. وستكون تدخلات إيران في الشؤون الداخلية لجيرانها من دول الخليج وغيرها من دول المنطقة حاضرة بشدة على طاولة المباحثات، التي تتناول أيضًا سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، ومن بينها الاقتصادية.
وتأتي زيارة أردوغان لتنفي الكثير من الأقاويل والتحليلات التي أشارت إلى أن تركيا تخلت عن بعض مبادئها في التعامل مع أزمات المنطقة، وعلى رأسها الأزمة السورية؛ إذ رأى البعض أن أنقرة تنازلت عن بعض المبادئ أخيرًا، وأصبحت لا تمانع في بقاء الرئيس السوري بشار الأسد، على أن يكون جزءًا من حل أزمة سوريا، وهو ما نفته أنقرة، وأكدت مجددًا حتمية رحيل الأسد عن المشهد كليا، وهو المطلب نفسه الذي تشدد عليه الرياض، وترى أنه لا بديل له. وتشارك الدولتان في تأسيس ما يسمى بـ"مجموعة أصدقاء سوريا"، التي تشمل 10 دول داعمة للمعارضة السورية "المعتدلة". وتؤكدان أن موقفهما يشدد على أهمية المحافظة على وحدة سوريا وأمنها واستقرارها، وأن يستطيع الشعب السوري الشقيق أن يبدأ بدولة توفر رغبته وتحقق طموحاته.
دليل على عمق العلاقات
وكان أردوغان قد أكد قوة العلاقة مع السعودية، وقال في مؤتمر صحفي في مطار أتاتورك في إسطنبول قبيل مغادرة بلاده متوجهًا إلى البحرين: "إن تركيا تنظر إلى علاقاتها مع السعودية الشقيقة والصديقة من زاوية استراتيجية، ولاسيما أننا نولي أهمية بالغة لأمنها واستقرارها".
وأضاف بأن "أنقرة أسست علاقات صادقة ووثيقة مع المملكة العربية السعودية خلال العامين الأخيرين على جميع الصعد، السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية والتجارية، وغيرها". مبينًا "سنعمل على تقييم قرارات اجتماع مجلس التنسيق المشترك، الذي عُقد في أنقرة أخيرًا برئاسة وزيري خارجية البلدين، خلال لقائنا مع الملك سلمان".
ولفت الرئيس التركي إلى أنه سيبحث مع الملك سلمان خلال الزيارة قضايا ثنائية وإقليمية، أهمها المستجدات الأخيرة في الأزمات المستمرة في سوريا والعراق واليمن. وجدد أردوغان مرة أخرى تأكيده متانة العلاقات مع السعودية في المجالات كافة، مؤكدًا "محورية السعودية في حل الأزمة السورية". وكان الرئيس التركي أكثر وضوحًا عندما أعلن أن "السعودية دولة صديقة، ونهتم بعلاقتنا معها، وسنجد فرصة في هذا اللقاء لاتخاذ قرارات مهمة".
ولم ينس أردوغان الاستشهاد بدليل على عمق العلاقات بين البلدين، عندما أعلن أن الملك سلمان أول زعيم اتصل به بعد الانقلاب الفاشل في صيف العام الماضي، وقال "إن الملك سلمان أكد وقوف الرياض مع أنقرة في هذا الحادث".
رحيل الأسد عن سدة الحكم
وتتميز العلاقات بين الرياض وأنقرة منذ سنوات مضت بتطابق وجهات النظر في العديد من القضايا الدولية، خاصة في الأحداث الدائرة في سوريا؛ إذ ترى الدولتان أن حل هذه الأزمة لا بد أن يشهد رحيل الأسد عن سدة الحكم، ويطالبان بضرورة توقُّف تدخُّل إيران في الشؤون الداخلية لدول الجوار، ويتفقان على أن حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية. ويتواصل التطابق في وجهات النظر أيضًا بين البلدين فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وأهمية إيجاد حل بموجب القرارات الدولية. وكذلك الملف الليبي ومواجهة الإرهاب والتطرف والتدخلات في شؤون الدول، إضافة إلى رغبة البلدين في تكثيف التعاون، خاصة على الصعيدين العسكري والأمني.
رغبة أنقرة في تعزيز الاقتصاد
وكانت العلاقات السعودية التركية قائمة منذ زمن بعيد، لكنها اليوم تعني المزيد من التعاون واتخاذ القرارات الفاعلة والناجزة بين البلدين، بما سوف ينعكس على العديد من القرارات وصور التعاون والمساندة على الصعيد الدولي. وتعتبر تركيا والسعودية الدولتين الأكبر اقتصاديًّا في المنطقة، وتتشارك الدولتان مع أمريكا في محاربة الإرهاب في المنطقة؛ فالسعودية من الدول المؤسسة للتحالف الدولي لمواجهة داعش الإرهابي في سوريا، والقوات الجوية السعودية تقوم بعمليات مستمرة فوق الأجواء السورية لاستهداف المنظمات الإرهابية هناك. وهذه عمليات مستمرة، ونحن نتطلع للعمل مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تكثيف الجهود للقضاء على داعش، وللعمل مع الدول الشقيقة، وعلى رأسها تركيا في هذا المجال.
وترتبط الرياض وأنقرة بعلاقات اقتصادية قوية، عززها مجلس التنسيق السعودي التركي، الذي تشارك فيه أكثر من 50 جهة في قطاعات مختلفة من البلدين. وهناك رغبة من قادة البلدين لتعزيز وتكثيف هذه العلاقات خدمة لمصالح البلدين الشقيقين. ويسهم هذا المجلس في تعزيز العلاقات في المجالات الأمنية أو العسكرية والثقافية والتجارية والتعليمية والعديد من المجالات لمصلحة البلدين. وتسعى تركيا إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع السعودية، بما يضمن تعزيز القطاع السياحي والعقاري، وإقامة مشاريع مشتركة بين رجال الأعمال في الدولتَيْن.